بات الأمير عبد الله تلك الليلة على عزم الإخلاص لأخيه الحكم، والتسليم له بحق ولاية العهد، فلما أصبح الصباح دخل مكتبته، وكانت تشغل قاعة كبيرة ثبتت على جدرانها رفوف وضعت عليها الكتب بدون ترتيب، فوضع كتاب «العقد الفريد» في صدر كتب الأدب بحيث يسهل تناوله عند الحاجة إليه، وأخذ يقلب ما بين يديه من كتب الفقه والحديث، ويعود إلى الأدب والشعر، فكان يرى مشقة في الوصول إلى الكتب، فأخذ يعلل نفسه بترتيبها متى عاد سعيد.
الفصل الرابع والعشرون
رسول ولي العهد
مضى معظم النهار ولم يعد سعيد ولا الفقيه، فلما كان الأصيل سئم الأمير عبد الله من الانتظار، فتذكر عابدة، فأمر ساهرا حاجبه أن يأمر القهرمانة بإرسالها إليه في القاعة؛ ليستمتع بحديثها ريثما يأتي سعيد والفقيه أو أحدهما، وقد أحس بشوق إلى لقياهما كي يعاود حديث الأمس، ويظهر لهما ما عول عليه من إغفال أمر ولاية العهد، ويتوقع أن يوافقاه على رأيه، فيزداد رسوخا في الأمر.
وعاد الحاجب يقول للأمير عبد الله: «إن جاريتك عابدة آتية.» فأمره أن يعد مائدة من الفاكهة والحلوى وألوان الشراب المنعش، فأعدها الخدم في غرفة الأمس، وجلس الأمير عبد الله وبيده كتاب «الشعر والشعراء» لابن قتيبة يقلب في صفحاته.
وبعد قليل جاءت عابدة، وهي أجمل مما كانت بالأمس، فتلقاها بالترحاب وأمرها بالجلوس، وسألها عما إذا كانت تحسن العزف على العود.
فأجابت عابدة: «نعم.»
فأمر الأمير عبد الله بإحضار عود، فتناولته عابدة، ولاحظ عليها علامات الخجل والانقباض، فظن أن ذلك بسبب انشغالها لغياب سعيد، فابتدرها قائلا: «كيف وجدت نفسك عندنا يا عابدة؟»
قالت عابدة: «إني بخير يا مولاي. وكيف لا أكون سعيدة وأنا في رعايتك؟!»
قال الأمير عبد الله: «يظهر أنك في شاغل لغياب سعيد! وأنا أيضا في قلق لغيابه، ولكنه لا يلبث أن يأتي قريبا ولن يتكرر غيابه.»
Shafi da ba'a sani ba