فقطع الفقيه ابن عبد البر كلامه بطريقه يوهمه بها أن شيئا خطر له في تلك اللحظة، ولم يكن في ذهنه من قبل، مع أنه جاء من أجله، فقال: «ليس لي شيء من ذلك، وقد ذكرتني أمر الخطاب.»
فأدرك سعيد ما في نفس الفقيه فسبقه إلى القول: «إنما قلت ما قلته تمهيدا لسماع خطابك. هل أتممته؟»
فمد الفقيه ابن عبد البر يده إلى جيب قفطانه، وأخرج منديلا فيه لفافة ففضها وهو يقول: «هذا هو الخطاب، ولم يأت كما كنت أحب، ولكن لا بأس به.»
فأومأ سعيد إلى عابدة، فقالت للفقيه: «لا أظن أننا نستحق أن نسمعه قبل مولانا أمير المؤمنين!»
فقال الفقيه وقد أثر قولها فيه: «كيف لا؟ إذا شئت تلوته عليك، ولكنني لا أراه أهلا لإعجاب أديبة مثلك.»
فابتسمت عابدة وأشارت إلى الفقيه أن يقرأ إذا شاء، فقال: «أتلوه عليكما على سبيل التجربة، وإذا بدا لكما انتقاد فنبهاني إليه.»
فأشار سعيد بعينيه وشفتيه أن الفقيه أكبر من أن يكون موضع نقد ضعاف مثلهما، ثم أصلح الفقيه موقفه، وأخذ يتلو الخطاب كما يتلى في حضرة الخليفة، وسعيد وعابدة صامتان مصغيان يبديان الإعجاب عند بعض المواقف، وهو يجود، وما أتى الفقيه على آخر الخطاب حتى امتلأ إعجابا بنفسه، وسعيد وعابدة يطنبان ويعجبان حتى قال سعيد: «إن هذا الخطاب إذا قدره أمير المؤمنين حق قدره جعلك قاضي القضاة أو شيخ أهل الفتوى.»
فحنى الفقيه رأسه تواضعا، وهو في الحقيقة يعتقد في نفسه أضعاف ما سمعه، ولكنه خاطب سعيدا قائلا: «إن ذلك يرجع إلى التوفيق، فإذا وفقت إلى ساعة سعيدة وآزرتني بدعائك نجحت إن شاء الله ، ولكن هذا كتاب «الطوالع» بيدك فأخبرني عما سيكون من حظي بعد تلاوة الخطاب.»
فقال سعيد وهو يفتح الكتاب: «إن ذلك يتوقف على اليوم الذي سيقام فيه الاحتفال؛ إذ إن لكل يوم طالعا، قد يوافق نجمك وقد لا يوافقه. هل تعرف متى يكون الاحتفال؟»
قال الفقيه: «حددوا له يوم السبت القادم الموافق 11 ربيع الأول.»
Shafi da ba'a sani ba