Abdulrahman Nasir

Jurji Zaydan d. 1331 AH
141

Abdulrahman Nasir

عبد الرحمن الناصر

Nau'ikan

قال ياسر: «إنه لا يزال في انتظارها.»

فاستاء الناصر من تعريض ياسر وتسرعه، وهو يعلم أن في نفسه شيئا عليها، فقال: «لا تلبث أن تأتيه، وما الذي يدعو إلى هذه العجلة منك؟»

قال ياسر: «تعجلت في نقل الخبر إلى مولاي لأن أحد خدمها أخبرني أنها غير موجودة في القصر، ولا هي عند المعلم.»

فبغت الناصر وقطب حاجبيه وقال: «أين هي إذن؟ لعلها في الحمام أو في الحجلة.»

قال ياسر: «ليست في القصر كله يا سيدي.»

فوقف الناصر وقد غضب من ياسر لإلقائه الشك في ذهنه وهو يقول: «أين هي؟ لا بد أن تكون في غرفتها أو ...» وسكت ومشى يتبع ياسرا والخدم تختبئ من طريقهما، فقاده ياسر إلى مكان يشرف منه على تلك الحديقة، فرأى الزهراء واقفة وبجانبها شبح لم يعرفه حتى نبهه ياسر إلى سحنته، فعرف أنه ابنه عبد الله، فهاج الدم في عروقه وأوشك أن يصرخ فيه لو لم يمسك نفسه خشية الفضيحة، وأكبر أن يظهر شكه أمام ياسر، فتجلد وقال: «يظهر أنها في شغل مع ولدنا عبد الله - حفظه الله - ولا بد من سبب فيه خير لنا، ولكن كان ينبغي لها أن تلقاه في غرفة من غرف القصر.»

وكان عبد الله قد ودعها وهرول مسرعا في الحديقة، وعادت هي إلى القصر، فأظهر الخليفة أن الأمر لا أهمية له، وصرف ياسرا، وذهب هو إلى غرفته وقلبه يتقد غيرة وحنقا، وحدثته نفسه مرارا أن يدعو الزهراء إليه في تلك الساعة فينتهرها ويوبخها ويستطلع خبرها، لكنه لم يشأ أن يمكن ياسرا من الشماتة بها، فلما صرفه وأوصاه أن يكتم ذلك أخذ يفكر فيما رآه فعظم عليه، ولم يستطع صبرا عن معاتبتها في الحال، فبعث وصيفة تستقدمها، فعادت الوصيفة وقالت: «إنها في الفراش لا تستطيع النهوض.»

وقد تعود الناصر أن يحتمل هذا الدلال منها فلا يغضبها، أو هي عادة المحبين في مثل هذه الحال؛ إذ يفوز منهم السابق إلى الدلال، وقد يكون في نفس المحب عتاب على حبيبه، فإذا رأى منه غضبا أو تجنيا شغل بمرضاته عن عتابه. فصبر الناصر نفسه وذهب إليها وهو يكظم غيظه، حتى إذا دخل غرفتها تنحى كل من كان هناك من الخدم والوصائف، وظلت هي وحدها.

وكانت حالما وصلت إلى غرفتها، قد نزعت ثيابها وارتدت ثوبا تعودت لبسه عند لقاء الناصر، إذ كان يزيدها جمالا ورونقا، وكان جمالها جذابا يأخذ بالعقول؛ يكفي دليلا على ذلك استيلاؤها على قلب الناصر حتى شغلته عن كل من في قصوره من السراري والجواري، وأصبح لا يتصرف إلا حسب رأيها ولا يرد لها طلبا، وقد بنى قصور الزهراء رغبة في مرضاتها وإحياء لاسمها كما علمت.

الفصل السابع والأربعون

Shafi da ba'a sani ba