دخل سعيد تلك الغرفة، فوجد فيها كل ما يحتاج إليه لتبديل ثيابه، فجلس فترة من الوقت يتدبر ما سمعه، وما يتوقع أن يكون، ثم بدل ثيابه ونام.
الفصل الرابع والأربعون
التعليم
وفي صباح اليوم التالي استيقظ وجلس ينتظر أمر الخليفة، فلما أبطأ عليه لبس ثيابه وخرج يتمشى في الحديقة، وأمر الخصي المخصص لخدمته أن يوافيه في مكان بالحديقة حدده له، إذا طلبه الخليفة، وقد توجه سعيد إلى حديقة بجوار ذلك القصر، فيها بركة يتدفق الماء فيها من أنابيب الرصاص، فوقف عندها، وأخذ يتأمل حركات الماء، وأفكاره تائهة فيما هو فيه، فلاحت منه التفاتة، فرأى شبحا خارجا من جانب القصر من باب لم يعرفه، فحول نظره إليه فرآه رجلا في ملابس الخصيان من طبقة الوصفاء الذين يلبسون الدروع السابغة، لكنه كان يمتاز عنهم بمنطقة حمراء مطرزة بالذهب تدل على تقدمه بين الأقران في المنصب والخدمة، وتبين في وجهه شيئا يعرفه، فحدق فيه فإذا هو ساهر غلام الأمير عبد الله، ولاحظ من حركاته أنه يحاول الخروج خلسة لا يريد أن يختلط بخصيان القصر، فقال في نفسه: «لا يخلو أن يكون مجيء ساهر هذا لأمر ما!» وانزوى في ظل دفلة وأخذ يتأمل أزهارها، فمر ساهر مرور اللص وهو يحسب أن سعيدا لم ينتبه له، فلما تجاوز الدفلة أعاد سعيد النظر إليه فتحقق من أنه ساهر بعينه، ولو لم يره وهو يحاول إخفاء أمره لم يسئ الظن به، فحفظ ذلك في ذاكرته، وظل يتمشى في الحديقة نحو ذلك الباب لعله يكشف شيئا جديدا، فرأى الخصي الموكل بخدمته مسرعا نحوه، فعلم أن الخليفة يطلبه فتجاهل وظل ماشيا، فأدركه الخصي وناداه، فالتفت سعيد إليه وسأله عن غرضه.
فقال الخصي: «إن أمير المؤمنين بعث في طلبك.»
قال سعيد: «هلم إليه»، ومشى نحو الباب الذي خرج منه ساهر.
فاعترضه الخصي قائلا: «من هنا يا سيدي» وأشار نحو الباب الآخر.
فقال سعيد: «لكن هذا أقرب. أليس مولانا أمير المؤمنين في هذا القصر؟»
قال الخصي: «بلى، ولكن المرور من هذا الباب محظور.»
فأطاعه سعيد ومشى، وهو يقول: «لماذا؟»
Shafi da ba'a sani ba