Cabd Rahman Kawakibi
عبد الرحمن الكواكبي
Nau'ikan
ولا يعرف على التحقيق مبدأ بنائها وإطلاق هذا الاسم عليها، ولكنها - كيفما كانت التواريخ المروية - أقدم ولا شك من كل عهد وردت أخباره في تلك الروايات؛ لأن قيام مدينة في موقعها ضرورة أحق بالتصديق من أسانيد المؤرخين وأساطير الرواة؛ لأنها في مكان توافر فيه كل شرط من شروط المدينة العامرة؛ من خصب التربة وسعة المكان واتصال الطريق بين موقع العمران وقوافل التجارة ومسالك الفاتحين أو معاقل المتحصنين المدافعين، ولا غنى عن مدينة في مكانها للانتفاع بموارد الزرع والبيع والشراء، وتنظيم الإدارة الحكومية في جوارها، وتبادل المعاملات فيما حولها، وتأمين المواصلات بينها على تعدد الحكومات أو وحدتها.
فالمدينة التي ينبغي أن تقوم في هذا المكان حقيقة تاريخية غنية عن سجلات التاريخ، وقد يخطئ بعض المؤرخين في بيان السنة أو الفترة التي بنيت فيها؛ لأنه يخلط بين بنائها الأخير بالنسبة إليه وبنائها الأول قبل ذلك بقرون؛ إذ كانت موقعا معرضا فيما مضى للزلازل، معرضا للغارات والمنازعات، يبني ويهدم آونة بعد أخرى، ولكنه يسرع إلى العمار ولا يطول عليه الإهمال، وقد فطن بعض المؤرخين إلى ذلك فيما نقله ابن شداد حيث يقول: «... وهذا يدل على أن سلوقوس بنى حلب مرة ثانية، وكانت خربت بعد بناء بلوكرش، فجدد بناءها سلوقوس، فإن بين المدتين ما يزيد على ألف ومائتي سنة.»
1
ومما يدعو إلى اللبس في تصحيح أقوال المؤرخين عنها أنها سميت بأسماء أخرى أو ذكرت باسم «قنسرين» على سبيل التغليب والمجاورة للتعميم بدل التخصيص، ومن أسمائها عند اليونان اسم «برية» الذي أطلقوه عليها كعادتهم في إطلاق أسماء بلادهم على المدن التي يدخلونها.
ولكن اسم «حلب» أقدم من هذه الأسماء جميعا، وأقرب إلى طبيعة المكان وإلى اللون الذي سميت من أجله ب «الشهباء»، وهو لون أرضها ولون الحوار الذي تطلى به مبانيها.
قال ياقوت الحموي في معجم البلدان:
حلب مدينة عظيمة واسعة كثيرة الخيرات، طيبة الهواء، صحيحة الأديم والماء، وهي قصبة جند قنسرين في أيامنا هذه، والحلب في اللغة، مصدر قولك: حلبت أحلب حلبا ... قال الزجاجي: سميت حلب لأن إبراهيم - عليه السلام - كان يحلب فيها غنمه في الجمعات ويتصدق به، فيقول الفقراء: حلب حلب، فسمي به.
قال ياقوت:
وهذا فيه نظر؛ لأن إبراهيم - عليه السلام - وأهل الشام في أيامه لم يكونوا عربا، إنما العربية في ولد ابنه إسماعيل - عليه السلام - وقحطان. على أن لإبراهيم في قلعة حلب مقامين يزاران إلى الآن، فإن كان لهذه اللفظة أصل في العبرانية أو السريانية لجاز ذلك؛ لأن كثيرا من كلامهم يشبه كلام العرب لا يفارقه إلا بعجمة يسيرة كقولهم: «كهنم» في جهنم ...
إلى أن قال:
Shafi da ba'a sani ba