فقطعت كلامه وقالت: «إن أمر عمتك يا بني أكثر اللوم فيه على أبيك، كما قلت لك؛ لأنه أباح لوزيره الدخول إلى قصرها ومخاطبتها وقضاء حوائجها، وهو شاب حسن الخلقة، نظيف الثوب، طيب الرائحة، وهي لم تر رجلا غيره؛ ذلك جزاء من جمع بين النار والحطب، على أن هذا لا يبرئه من الخيانة.» وعادت إلى التشاغل بفتات المسك وهي تنظر إلى البساط تتفرس في الطاووس المنقوش في وسطه. والأمين قد انقبضت نفسه، وضاق صدره ؛ لأنه مع طول الحديث لم يصل إلى الغرض المطلوب، ولا تجاسر أن يفاتحها بطلب قتله أو الوشاية به، فلما ضاق ذرعا أطرق وبانت الحيرة في وجهه. ولاحظت أمه ذلك فأسرعت إلى تطييب خاطره قائلة: «أظنك تريد أن تعرف رأيي في هذا الرجل؟»
فلم يتمالك محمد أن صاح: «نعم، يا أماه، لقد ضاق صدري.»
فقالت: «وهل ترى أن نبلغ أباك خبر أخته العباسة؟»
قال: «لا أدري. وإنما أريد أن يقتل هذا الرجل والسلام.»
فضحكت وأدارت ذراعها حول عنقه وقبلته ودموع الحنان تكاد تتناثر من عينيها لولا عظم الأمر الذي أدخلت نفسها فيها، وقالت: «قد كنت عازمة على أن أطلعه على خبر أخته، ولكن مباغتة الرشيد بذلك لا تخلو من الخطر على الناقل، فيكفي الآن أن نبلغه خبر العلوي.» ثم خفضت صوتها ومدت يدها إلى جيبها فأخرجت بطاقة دفعتها إليه وهي تقول: «لا تظنني غافلة عن الانتقام لك من هذا المولى. إني لا أنسى تشديده عليك بالقسم على كتاب العهد بالكعبة في العام الماضي؛ فقد بلغ من قحته وسوء أدبه أن يستهين بك أمامي، وقد أعددت أبياتا من الشعر بمعنى ما نحن فيه، على أن أوصلها إلى أبيك سرا من حيث لا يعلم، فنكون قد أبلغناه بالخطر الذي يهدد الدولة من هذا الرجل، فإذا لم يفلح ذلك في تحذيره، عمدنا إلى ما هو أبلغ.»
فتناول الأمين البطاقة وقرأها فإذا فيها:
2
قل لأمين الله في أرضه
ومن إليه الحل والعقد
هذا ابن يحيى قد غدا مالكا
Shafi da ba'a sani ba