فأشار إليه أن يسير معهم، وأمر رجاله بالركوب بعد أن قدموا له فرسه، فركب وركبوا في أثره قاصدين قصر الأمين.
الفصل السادس عشر
الصولجان والكرة
أما العريف ورجاله فإنهم عادوا إلى قصر العباسة. وكانت قد أرسلتهم للقبض على أبي العتاهية بمشورة عتبة. وذلك أنهما لما رجعتا إلى القصر في أواخر الليل، كما تقدم، ظل خاطر عتبة مشغولا بما علمته من أمر أبي العتاهية، وقد رجح في ذهنها اطلاعه على سر مولاتها، فلما وصلتا إلى القصر دخلت العباسة إلى غرفتها تلتمس النوم، واستولى القلق على عتبة فلم تتمالك عن الدخول عليها باكرا، والتصريح لها بما لاحظته، وأشارت بالقبض على أبي العتاهية سريعا لئلا يبوح بالسر، فأعظمت العباسة الخبر وخشيت منه، ولم تر حيلة للنجاة إلا بالقبض عليه وإخفاء خبره ريثما تتدبر في أمرها، فطلبت من عتبة أن ترسل شرذمة من الجند ممن كانوا في خدمة قصرها ليقبضوا عليه بأمر الخليفة، فذهبت عتبة معهم، حتى إذا وصلوا إلى دار فنحاس كان الفضل قد سبقهم إليها ودخل دار الرقيق، كما تقدم. وكان أبو العتاهية عازما على الخروج خلسة بحيث لا يشعر به الفضل ولا يعرف بوجوده هناك، مخافة أن يلحظ تواطؤه مع فنحاس، ولم يخطر بباله أنه مطلوب. وشعر حيان بذلك وأخذ يشاغله بالحديث ونحوه ريثما يعود سيده من دار الرقيق ليطلعه على وصية عتبة، فلما أحس أبو العتاهية بقرب خروج الفضل أسرع في الذهاب. وكان العريف قد جاء بجنده، فأشار حيان إليهم أن يقبضوا عليه، فهموا به. ورأى أبو العتاهية عتبة فأدرك غرضهم، فأخذ يطاولهم حتى جاء الفضل فوجدهم على تلك الحال فأنقذه منهم.
فعاد العريف إلى العباسة. وكانت عتبة قد سبقته إلى هناك، وأخبرت مولاتها بتعرض الفضل لهم. فلما عاد العريف وأنبأها بما كان من نجاة أبي العتاهية على تلك الصورة عظم الأمر عليها، وتحققت أن سرها لا يلبث أن يصل إلى الفضل، فأخذت تندب حظها، وخلت بعتبة وشاورتها في الأمر، فقالت لها: «لم تبق لنا حيلة يا مولاتي إلا بالاستنجاد بمولاي الوزير.»
قالت العباسة: «وكيف نبلغه الخبر وهو اليوم مع أخي في الميدان يلعبان بالكرة والصولجان؟» وكان ذلك اليوم موعد تلك الألعاب على جاري العادة في الميدان بقرب قصر الخلد.
قالت عتبة: «لا بد من ذلك، وإذا شئت فإني أتولى نقل الخبر إليه.»
فأثنت عليها وقالت: «تدبري في الأمر كما تشائين؛ فإني لا أعي شيئا.»
قالت عتبة: «هل أدعوه إليك إلى هنا؟»
قالت العباسة: «افعلي ما ترين؛ لأني أخشى افتضاح أمرنا قبل تدبير الحيلة للنجاة.»
Shafi da ba'a sani ba