ومضت الأيام ووجدت رقية في الشيخ سليم عوضا عما فقدت، وزالت الغضاضة التي كانت تجدها في أول الأمر وصارت حين تقول له «يا عمي» تشعر أنه عمها حقا وصدقا، وتفتح لها قلبه الكبير وأنزلها منه في حبته، وذاق في شيخوخته العالية ما حرمه طول حياته من حلاوة الأبوة ونعمة البنوة البارة. فقد صارت رقية هي التي تعنى به، وتعد له حاجاته، وتسهر على راحته، وتبقى إلى جانبه حتى يصرفها إلى مرقدها بعد أن يدعو لها ويمسح شعرها ويقبلها.
ولكن حليمة لم ترض عن رقية، وكان رأيها فيها أنها فتاة عنيدة، وأن أبويها أفسداها بالتدليل، وأن الشيخ سليم يزيدها فسادا بإسرافه في إظهار التعلق بها والحنو عليها، وكان يسوءها على الخصوص أن لسان رقية حاد، وأنها لا تفعل إلا ما يطيب لها، وكانت حليمة صريحة فلم تكن تكتم رقية سوء رأيها فيها، أو تتقي أن تنذرها بمستقبل أسود «كالحبر»، وكثيرا ما كانت تقول لها إن الشيخ يسيء إليها بهذا التدليل.
وكان هذا الكلام وأشباهه يهيج رقية في أول الأمر، ويطلق لسانها بما يخطر لها ساعة الغضب، ولكن ثرى نفسها كان خصبا فلم يخل كلام حليمة من أثر، فقالت ذات ليلة لعمها وهي جالسة على ذراع كرسيه: «عمي!»
فرفع إليها وجهه المغضن وسألها: «نعم؟»
قالت وهي تداعب شعر لحيته: «إنك تفسدني بالتدليل. لماذا لا تربيني كما ينبغي؟»
فدهش الرجل وقال: «من وضع في رأسك الصغير هذا الكلام؟ حليمة بالطبع.»
قالت: «هي على حق ... شف ... لي هنا نحو سنة ... وقد نسيت ما تعلمته في المدرسة.»
قال: «آه. صحيح ... الحق معك ... صحيح ... هل تريدين أن تتعلمي حقيقة؟»
قالت: «آه.»
قال: «إن شاء الله.»
Shafi da ba'a sani ba