فلم ترتح فيفي إلى هذا وألحت على أمها ألا تفعل، ولكن الأم أبى لها قلبها الرقيق الضعيف إلا الإصرار، فخرجت إلى التليفون والتقت في طريقها إليه بزكريا، فسألها وقد رأى وجهها الممتقع: «ماذا جرى؟»
قالت: «فيفي ... مريضة ... سأدعو الطبيب.»
فاستغرب زكريا، فقد ترك أخته على أحسن حال، وقال لأمه وقد ساورته الشكوك: «انتظري حتى أراها.»
وأسرع إلى فيفي، فقصت عليه ما حدث. ففرك كفيه، وعيناه تلمعان وقال وهو ينهض: «هذا خير ساقه الله ويجب انتهاز الفرصة التي أتاحتها لنا الأم المحترمة. لقد كنت حائرا جدا وأتعبني التفكير في التماس الحيلة حتى يئست. فالآن فتحت لنا الأم الباب، بورك لنا فيها ... عليك الآن أن تلزمي السرير. المرض يثقل عليك شيئا فشيئا ... وعلي أنا الباقي.»
فرمت فيفي إليه قبلة وعاد إلى وجهها الإشراق والوضاءة.
وقال زكريا لأمه: «نعم يجب أن ندعو الطبيب ... كلميه وسأذهب أنا إليه بالسيارة ... هذا أسرع.»
فكادت المسكينة تقع على الأرض لأنها أيقنت من لهجة زكريا وهيئته أن الأمر جد، وأن بنتها مريضة حقا، وإذا كان زكريا قد قلق إلى هذا الحد فيا ويلها هي ...
وجاء الطبيب - وكان هو طبيب الأسرة في الإسكندرية - وكان روميا هرما ذا لحية كثة بيضاء، ولكنه دائم البشاشة، حاضر النكتة، وإن كانت نكتته كثيرا ما يفسدها أو يحجبها عجزه عن التعبير باللغة العربية، ودخل على فيفي ورد الباب وراءه، فارتدت الأم راجعة وكانت تشتهي أن تكون حاضرة وهو يفحص ابنتها وقرة عينها وحبة قلبها.
واستمر الفحص نحو نصف ساعة فكادت الأم تجن، وأيقنت أن الأمر أخطر مما كبر في وهمها إلى الآن. فلما خرج الطبيب خفت ناهضة إليه، وقد ارتسم القلق والفزع على وجهها وفي عينيها.
وقالت له وهي تتناول طيتي سترته بكفيها وتشده منهما: «طمئني يا دكتور.»
Shafi da ba'a sani ba