الحجة الثامنة: إن كان كل ما يفسد فإنما يفسد من شىء غريب عنه يدخل عليه، ويفسد إلى شىء غريب، وليس شىء خارج الكل ولا غريب عنه بل هو مشتمل على كل شىء إذ كان مؤلفا من كليات الأشياء وكاملا جامعا لأشياء كاملة، وليس شىء غريب عن الكل ولا شىء غريبا يفسد إليه أو يفسد عنه — فلذلك هو غير فاسد، ولذلك بعينه هو غير محدث. وذلك أن كل حادث فعن شىء ما يحدث قد كان فيما تقدم غريبا، فيجب أن يكون شىء ما غريبا عن الكل، ويكون هذا خارجا عن هذا الحادث. ويلزم من ذلك أن يكون شىء خارج عن الكل كان قبل أن يحدث الكل غريبا عن الكل. وإن كان ذلك، فللكل ضد ما عنه حدث، غير أن الأضداد يحدث بعضها من بعض ويتغير بعضها إلى بعض، ولها طريقان إذ كانا بين شيئين على ما بين أفلاطون فى كتابه المنسوب إلى «فادن» بأقاويل كثيرة: من أن كل واحد من الضدين ينتقل إلى صاحبه كيلا تكون الطبيعة منقوضة. ولعمرى أن «لا مرتب على نظام» مقابل لل «مرتب على نظام». ولو كان ذلك على طريق العدم والملكة، وقد نقل من عدم إلى ملكه، فذلك أن المعنى الأول أبعد فى الإمكان والقدرة، ومن قبل ذلك صارت أصناف من العدم لا تنتقل إلى ملكة. فإذ كان ذلك الذى هو أبعد من الإمكان قد كان، فبالحرى كون ما هو أقرب إلى الإمكان حتى ينتقل المنظوم إلى لا منظوم، ويكون ذلك جاريا مجرى الطبيعة وعلى مشيئة الله تعالى. وذلك أن الفاعل لما هو أبعد فى الإمكان فأحر به أن يفعل ما هو أقرب فى الإمكان . فإن كان هذان ضدين، فسبيلهما سبيل سائر الأضداد كلها؛ فيجب من ذلك أن يكون الكل أيضا ينتقل إلى ضده الذى عنه كان. لكن قد تبين أن الكل غير فاسد، فليس ينتقل إلى ضد له، ويجب من ذلك ألا يكون حدث. فالكل إذا أزلى، فإنه ليس يمكن أن يكون ضدان لأحدهما طريق إلى الآخر وليس للآخر طريق إليه. ولا يمكن فى العدم والملكة أن يكون من العدم طريق إلى الملكة، ولا يكون من الملكة إلى العدم طريق. وذلك أن فى بعض الأشياء ليس طريق من العدم إلى الملكة؛ وأما الضدان فلهما طريق من بعض إلى بعض على ما قال سقراط فى الكتاب المنسوب إلى «فادن». فيجب من ذلك إما ألا يكون الكل غير فاسد، وأحر به أن يكون غير حادث؛ وإما ألا يكون «لا منظوم» مضادا لل «منظوم»، أو كان «لا منظوم» عدما لل «منظوم».
Shafi 41