وقد يتعرف الإنسان بعض الأشياء، وقد كان عرفه قديما؛ وبعض الأشياء يعلمها من حيث يحصل تعرفها معا، مثال ذلك جميع الأشياء الموجودة تحت الأشياء الكلية التى هو مقتن لمعرفتها. فإنه أما أن «كل مثلث زواياه مساوية لقائمتين» فقد كان تقدم فعلم، وأما أن «هذا المرسوم فى نصف الدائرة وهو مثلث» فقد نتعرفه ونعلمه مع إحضارنا إياه (فإنه قد توجد بعض الأشياء تعلمها إنما يكون بهذا النحو، وليس إنما يعرف الأخير بالمتوسط: وهذه هى جميع ما كان من الأشياء الجزئية وليس يقال على موضوع) فقبل أن يحضر ويجابه أو يقبل القياس، فلعله قد يجب أن يقول إنا بنحوما نعرفه؛ وأما بنحو آخر فلا. وذلك أن الذى لم يكن يعلم أن هذا موجود على الإطلاق، فكيف يعلم أن زواياه مساوية لقائمتين على الإطلاق؟ لكن من البين أنه إنما يعلم هذا بأنه عالم بالكلى، وأما على الإطلاق فلا يعلم. وإلا فقد تلزم الحيرة المذكورة فى كتاب «مانن» وذلك أنه: إما ألا يكون الإنسان يعلم شيئا، وإما أن يكون إنما يتعلم الأشياء التى يعلمها. وليس ينبغى أن نقول فى هذا كما قال القوم الذين راموا أن يحلوها، فإنهم قالوا: أتراك تعلم أن كل ثنائية زوج، أم لا؟ فإذا 〈قال〉 إنى لأعلم ذلك، يحضرونه ثنائية ما لم يكن يظن: ولا أنها 〈موجودة〉 ولا أنها زوج. وذلك أنهم قد يحلون هذه بأن يقولوا 〈إنه ليس كل ثنا〉ئية يعلم أنها زوج، لكن إنما يعلم أنها زوج من يعلم أنها ثنائية ه〈ك〉ذا. على أنهم يعلمون ما عندهم البرهان عليه وما قد أخذوا برهانه. والبرهان الذى حصلوه ليس هو أن كل ما يعلمون أنه مثلث أو أنه عدد، لكن على الإطلاق فى كل عدد وكل مثلث. وذلك أنه ليس يقتضب ولا مقدمة واحدة هذه حالها، أعنى: «العدد الذى تعرفه» أو «المستقيم الخطوط الذى أنت عارف به»، لكن على الإطلاق. لكن لا شىء فيما أظن يمنع أن يكون الأمر الذى يعلمه الإنسان قد يعلمه من جهة ولا يعلمه من جهة. ذلك أن القبيح الشنيع ليس هو أن يكون ما يتعلمه يعرفه بنحو ما؛ لكن إنما القبيح أن يكون ذلك بهذا النحو الذى به يعلمه كما هو الأمر.
[chapter 2: I 2] 〈العلم والبرهان〉
وقد يظن بنا أنا نعرف كل واحد من الأمور على الإطلاق، 〈لا على طريق السوفسطائيين〉 الذى هو بطريق العرض، متى ظن بنا أنا قد تعرفنا العلة التى من أجلها الأمر، وأنها هى العلة، وأنه لا يمكن أن يكون الأمر على جهة أخرى. ومن البين أن هذا هو معنى: «أن يعلم». وذلك أن الذين لا يعلمون والذين يعلمون: أما أولئك فقد يتوهمون من أمر الشىء أن هذه حاله؛ وأما العلماء فقد يوجد لهم هذا المعنى. فإذن ما لنا العلم به 〈وجودا〉 لا يمكن 〈أن يكون〉 على جهة أخرى.
Shafi 312