Burhan Fi Wujuh Bayan

Ibn Wahb Katib d. 335 AH
178

Burhan Fi Wujuh Bayan

البرهان في وجوه البيان

Nau'ikan

وعلى هذا الترتيب رتب الله - عز وجل - عباده في ذنوبهم، فعفا عن الخطأ، وما جرى على غير تعمد، وعفا عن صغائر ما اعتمده، وتجاوز عن الكبائر، مع الندم والتوبة، وعذب على الإصرار على ما يعود العفو عنه بالإضرار، وإذا كنت معتذرا أو متنصلا فلا تعتذر إلا إلى من تحب أن يجد لك عذرا، ولا تعتذر إلى ممتحن أو متعنت، فإن الاعتذار إلى هذين الصنفين ضائع، ولا تخلط الاعتذار إذا وجب أن تعتذر بالاحتجاج فإن ذلك يدل على مقامك على الذنب، لأنك ليس تحتج إلا فيما لا ذنب لك فيه، وليس هذا موقف التنصل والاعتذار، وإنما هو موقف النفح # عن النفس والاحتجاج، فإن كنت على حجة فأنت غني عن الاعتذار، وسبيلك أن تقيمها، وتجتهد في التخلص من اسم الذنب بما تظهره منها، وإن كنت مذنبا فسبيلك أن تعترف بذنبك وتعتذر منه، وتسأل الصفح عنه، فإن مزج الاعتذار بالاحتجاج يدل على استئناف الذنب، ولذلك قال بعضهم - وقد اعتذر رجل إليه فأتى في اعتذاره بما قدمناه: ما رأيت عذرا أشبه باستئناف ذنب من عذرك؛ وذلك أن المذنب إذا كان عند نفسه غير مذنب، وكان له فيما يظن حجة زيل عنه الذنب، فهو غير مقلع عن ذنبه لأنه إنما يرجي الإقلاع عن الذنب للمذنب إذا عرف ذنبه وقبح فعله، وأنه لا حجة له فيه؛ وكان يقال: من وثق بحسن العذر وقع في الذنب، وغذا اعتذر إليك معتذر فاقبل عذره، وصدق في ذلك ظنه، إلا أن يكون ممن ترى أن الراحة في قطيعته، فإن كان كذلك فاجعل ذنبه سببا لهجرك له، ولا تستعتبه، ولا تسمع عذره، فإن العضو الفاسد ليس لصاحبه راحة إلا في قطعة وفارقته، ومن هاجرك بذنب، أو ذكرك بما يسوءك في ملأ ثم جاء معتذرا فيما بينك وبينه فلا تقبل تنصله وعذره حتى تكونا في ملأ، وعلى المجاهرة كما كانت زلته وذنبه، وكذلك من أذنب إليك فيما بينك وبينه فلا تكلفه الاشتهار بالذنب عند من لم يعرف ذنبه، واقبل عذره فيما بينك وبينه.

وعلم أن الأنس بمواقف الاعتذار، وليس باختلاف ذوي الأقدار فاهرب مما تحتاج إلى إقامة العذر فيه، هربك من التلف، فليس في كل حين تقال الهفوة، ولا في كل وقت تغتفر الذلة، ومن القبيح أن يختار الإنسان اللؤم من الحمد عوضا، وأن يجعل نفسه للألسن غرضا، وقد قيل: إياك وما يعتذر منه، فقلما اعتذر أحد إذا كذب، ومن عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أوقع به الظنة.

Shafi 237