وهذا أولا ليس برهانا في إثبات وجوب النظر فيقع الدور في لزوم الدعوى ولا يستمر هذا برهانا في إثبات وجوب النظر وإنما هي غائلة أبدوها في دعوة الأنبياء وحقها أن تذكر في مشكلات الدعوة والإجابة.
٢٠- ثم نفس العقل لا يدرك به وجوب النظر [البتة] ولا بد من فكر مفض على زعمهم إليه فامتناع المدعوين عن الفكر المرشد إلى وجوب النظر العقلي كامتناعهم عن النظر المرشد إلى الواجب السمعي فإن تعسف غبي وزعم أن نفس العقل يدرك به وجوب النظر كان مباهتا ملتزما ألا يخلو عاقل في مضطرب أحواله عن العلم بوجوب النظر وكيف يستقيم ادعاء ذلك مع مخالفتنا لهم أم كيف ينقدح ما قالوه مع قيام البرهان القاطع الذي أقمناه على مخالفتهم؟
٢١- فإن قالوا يبعث الله إلى كل مدعو ملكا ينفث في روعه ويردده بين إمكان العقاب لو ترك النظر واستحقاق الثواب لو نظر ثم العقل يستحثه على اجتناب العقاب قلنا هذا يوجب أن [لا] يخلو مدعو عن تقابل خاطرين ونحن نعلم معظم المدعوين مضربين عن هذه الفنون ولو سلم ما قالوه من معنى فكيف يدرك المدعو كلام الملك والكلام عند الخصوم أصوات وإن أدركه فلا يبالي به وأي حاجة إلى ذلك وفي دعوى النبي مقنع عما هذوا به؟
٢٢- ثم التحقيق فيه أن النظر ممكن وإنما يمتنع إيجاب مالا يمكن إيقاعه فإن امتنع ممتنع تعرض للوعيد الذي بلغه النبي ولا يشترط في وجوب الشيء علم المخاطب بوجوبه عليه بل يشترط تمكنه من العلم والسر في ذلك أن النظر الأول لا يتصور إلا كذلك سواء فرض أخذه من السمع المنقول أو من مدارك العقول وعن هذا قيل إن القربة التي لا يتصور التقرب بها إلى الله تعالى هي النظر الأول.
مسألة.
٢٣- لا حكم على العقلاء قبل ورود الشرع بناء على أن [الأحكام] هي الشرائع بأعيانها وليست الأحكام صفات للأفعال وهذه المسألة تفرض فيما لا يقضى الخصوم فيه بتقبيح عقلي أو تحسين.
وقد افترقت المعتزلة فذهب بعضهم إلى أن مالا يعين العقل فيه قبحا ولا حسنا فهو على الحظر قبل ورود الشرع وذهب آخرون إلى أنه على الإباحة.
فأما أصحاب الحظر فيلزمون الأضداد التي لا انفكاك عن جميعها وليس يتحقق العرو عن جملتها فإن حظروا جميعها كان ذلك تكليف مالا يستطاع وإن خصصوا.
1 / 13