قلت: قلت : وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة، إذ هو إخبار عن غيب مستقبل فكان المخبر به موافقا للخبر؛ فلقد افترقت أمته -صلى الله عليه وآله وسلم- فرقا، وتجاذبتها الأهواء، وكل فرقة منها انتسبت بزعمها إلى إمام وادعت لنفسها النجاة وأنها التي أشار إليها عليه الصلاة والسلام، فلما صح لنا أن في الأمة هالك وناجي وأن أكثر الفرق مسيئ، وعلمنا بالدلالة العقلية والشرعية وجوب [9-ب] موالاة أولياء الله، ومعاداة أعداء الله، وعلمنا أيضا أن كل فرقة تدعي النجاة لنفسها والهلاك لغيرها، وعلمنا أيضا أن الله سبحانه وتعالى شرع مشروعا على لسان نبي متبوعا من ذلك: أنه لا يحكم لمدع إلا ببينة عادله يقبلها الحاكم العدل ليستند في حكمه إليها؛ وكان (1) الواجب علينا حينئذ وقف كل فرقة لسماع دعواها وطلبنا من كل البينة على تصحيح مذاهبها، فتحيرت حينئذ كل فرقة ورجعت القهقرا وعادت إلى القفاء؛ وهذا بعد البحث والنظر (2) في مصنفاتها الحاكية لأقوالها وأفعالها، إلا فرقة العترة المطهرة عن الأرجاس التي جعل الله منها الشهداء والقادة للناس فإنها دلت على صحة أقوالها وأفعالها ومذاهبها بآي القرآن والسنة الصحيحة المتكاثرة وأوضح برهان وأنها الفرقة الناجية، [7ب-أ] والحجة على العباد في كل ناحية؛ إذ هم المقصودون بآيتي التطهير والمودة، والمخلفون مع الكتاب متمسك للأمة المشبهون بسفينة النجاة وباب حطة، وغير ذلك من الفضائل التي دلت عليها الأدلة؛ فإليهم الرد واستنباط الأحكام، وإليهم المرجع في تبيين الحلال والحرام، وفصل الخصومات، وتنفيذ الأحكام، وجميع ما تحتاجه في شرائعها للأنام (3)؛ فأنفذنا لما أراده إله العالمين، وصدقنا ما جاء به سيد المرسلين فصح حينئذ بما ذكرنا وبما يأتي من الأدلة [المتظاهرة](4) المتكاثرة التي لا يمكن جحدها ولا كسرها من رواية الموالف والمخالف أن مذهبهم الحق القويم، وصراط الله المستقيم؛ (وأن من)(1) خالفه من كل مذهب تعدى فيه بما يخرق إجماعهم (وإن ما)(2) يخرج عن جميع أقوالهم فهو معتل سقيم، وليس هو من شرع النبي الكريم.
قلت: قلت : وليس هذا دعوى اللسان، بل من يحب أن يجول في جميع ما ذكرناه فهذا محل الجولان وها أنا أقول: هذا الفرس وهذا الميدان.
قلت: قلت: وحيث قد تقررت بحمد الله هذه المقدمة؛ فإني أشرع الآن في ذكر شيء مما وعدت به من الأدلة على صحة مذهب العترة الزكية حتى لا يصل -إن شاء الله- الطالب إلى تمام الغرض المقصود من السياق للجواب الموعود، إلا وقد ثبت عنده -إن شاء الله- صحة نجاتهم، ووجوب التمسك بهم في أقوالهم وأفعالهم ومذاهبهم؛ لأنه إذا [قد](3) تقرر عنده هذا فإنه الأصل الذي يبنى عليه الأبنية (4) الأكيدة، ويستند إليه في التدين والعقيدة .
Shafi 38