ونظم رسيلة الأستاذ شهاب الدين أحمد الأمشاطي رحمه الله تعالى زجلًا أفرق فيه بين الذال والدال، والظاء والضاد، كاد أن يسيل رقة، ولكن لم يجانسه، لأن الدرب إلى المجانسة غير سالك ومطلع الزجل:
بعضي باللهيب متلظي ... وغارق في دمعي بعضي
وأنا بالصبر متغذي ... كاتم سري حافظ عهدي
طرفي قد غرق في دمعي ... واحترق بنارو قلبي
مع معشوق يطابق نفعي ... بالضرر ويقصد حربي
نطلب وصلو يطلب قطعي ... نقرب لو فيبعد قربي
نحفظو ما يختار حفظي ... نحبو يزيد في بغضي
نعتذر ونا المتأذي ... يشتكي وهو المتعدي
وهذا الزجل البديع لم يحضرني منه أيضًا لكثرة الإعراض عن هذا الفن غير هذا المطلع والبيت.
ومن الممنوعات عند أهل هذا الفن أيضًا وهو قبيح جدًا إظهار حركة المنادى المضاف، وذكرت هنا قصة اتفقت للشيخ عز الدين الموصلي رحمه الله تعالى مع زجالة دمشق المحروسة؛ وما ذاك إلا أنه نظم زجلًا مطلعه:
يا صباح الخير والخيره ... صبحتني طلعة المحبوب
حن رأيت وجهو السعيد مقبل ... قلت هذا غاية المطلوب
فقوله يا صباح الخير إعراب المنادى المضاف على شرطه.
وأما زجالة دمشق المحروسة فإنهم ترقبوا مرور الشيخ عز الدين عليهم ليلًا بسبب هذا المطلع فأسمعوه غاية ما يكره، وشاعت القصة بالبلاد الشامية، وكان الشيخ عز الدين رحمه الله تعالى يعنت عليهم في غالب الأوقات.
والذي أقوله: إن المتأخرين من الشعراء لم يتخلص منهم أحد من تبعات عيوب الزجل غير الشيخ جمال الدين بن نباتة رحمه الله تعالى، فإن الشيخ عز الدين أيضًا قال في بعض مطالع أزجاله:
ضياء النور في ليل الشعر قمري جلا
فلو لم يعرب لفظة النور بالإضافة اخطأ الوزن.
وأما الشيخ صفي الدين الحلي فقد تقدم ما أوردنا عليه من العيوب، وتقدمه ابن النبيه في زجله المشهور بأشياء دلت على أنه لم يكن له بمعرفة هذا الفن إلمام، والزجل مطلعه:
الزمان سعيد مواتي ... والحبيب حلو رشيق
والربيع بساطو أخضر ... والشراب أصفر مروق
وقال في البيت:
والنسيم سحر تنفس ... من عبير أو مسك أذفر
والغصون بحال نداما ... من سلاف الغيم تسكر
والغدير بمد معصم ... ينجلي في نقش أخضر
والهزار يعمل طرايق ... في الغنا مزموم ومطلق
فقوله في الغصن الأول من البيت، أو مسك أذفر لا يستقيم معه الوزن إلا بعيبين فاحشين لم يغتفرا له من أحد من الزجالة.
أما أن ينون الكاف لتصير الهمزة في لفظة أذفر همزة وصل ويستقيم الوزن بالتنوين، وهو من العيوب الفاحشة عندهم، وإما أن يحرك الكاف في لفظة مسك، وتكون الهمزة همزة قطع فقد تقدم أن همزة القطع بعد المتحرك عندهم خطأ في الوزن، واستشهدت بنقدهم على الشيخ صفي الدين الحلي حيث قال في بعض أزجاله وهو:
ريت حبيبي في الرياض يمرح ... بين أقرانوا وأترابو
فلو لم يحرك النون في لفظة بين أخطأ الوزن، وهذا العيب يسمونه عند الزجالة الطفر والجمز، وهو العيب الذي احتجوا به على الحاج علي بن مقاتل في بديهته مع رسيلة الأستاذ شهاب الدين أحمد الأمشاطي، فإن الحاج علي قال في بعض الأبيات:
جل الإله منشيه ... من بعض آياتو
خدو المضرج فيه ... نارو وجناتو
والورد فيه يبديه ... في غير أوقاتوا
فقوله: من بعض آياتو وفي غير أوقاتو، مما نحن فيه وقول ابن نبيه في الغصن الثاني:
من سلاف الغيم تسكر.
فالغيم مجرورة بالإضافة وهي على الوضع في الإعراب، والكلام على نقش أخضر في الغصن الثالث كالكلام على مسك أذفر في الأول، وقال ابن نبيه في البيت الثاني من زجله المذكور ولم يسلم له العيوب المنهي عنها غصن ولا خرجة.
وقال في البيت الثاني:
هات يا ساقي الحميا ... إن نجم الليل غرب
من يكون البدر ساقيه ... كيف لا يشرب ويطرب
أنت والأوتار والكاس ... للهموم دوا مجرب
1 / 9