وعلى النحل حجر مسكنها ... ضاق من الاشتياق إلى ملتقاك
بحمد الله منجى إبراهيم مرسل ... قاصف الرعد والسحاب الثقال
نجا يوسف وهود ويونس ... وهو قابل التوبة زايد الأنفال
ولو أعراف تنشق بانعامو ... مائدة رزقو للنساء والرجال
واصطفى من قديم لآل عمران ... بين آدم ومن ضلالك هداك
وفي عيد الأضحى نراك تذبح ... بقرة تجعلها بسبعة فداك
قلت: وهنا فوائد ينبغي أن نختم هذا الكتاب بها، منها أن الزجل في اللغة هو الصوت، يقال: سحاب زجل، إذا كان فيه الرعد، ويقال لصوت الأحجار والحديد والجماد أيضًا: صوت وزجل، وقد وريت بذلك في براعة استهلال الخطبة بقولي: الحمد لله الذي علا زجل الملائكة في عالم الملكوت بحمده. وإنما سمي هذا الفن زجلًا لأنه لا يلتذ به وتفهم مقاطع أوزانه حتى يغنى به ويصوت، وقد قسمه مخترعوه إلى أربعة أقسام يفرق بينها بمضمونها المفهوم لا بالأوزان واللزوم، فلقبوا ما تضمن الخمري والزهري زجلًا، وما تضمن الهزل والخلاعة بليقًا. وما تضمن الهجاء والثلب قرقيًا. وما تضمن المواعظ والحكمة مكفرًا، وهو مشتق من تكفير الذنوب، وأطلقوا على كل ما أعرب بعض ألفاظه من هذه الأربعة لقب المزنم.
وشرط أبيات الزجل أن تكون أربعة، والدخول على المطلع مقام بيت آخر، وهذا شرطهم في البدية، فإن زاد على ذلك كان مقبولًا وإن نظم أقل من أربعة أبيات كان ناقصًا.
وأما الدخول على المطالع فهو التضمين بعينه، ولكن تسمية الزجالة دخولًا، ويأتون فيه العجايب والغرايب، وقد تقدم قول الشيخ عز الدين الموصلي في الزجل:
وله محاسن كلهن بدائع ... وله جموع فرقت وطرائق
فكأنه الثوب المجندر طرقه ... لا تستقيم وفيه معنى رائق
فالزجل بهذا الاعتبار فن معتبر بخلاف بقية الفنون تطفل أعيان الشعراء على نظمه، فمنهم من ابتسمت له ثغور كاساته عن شنب الحبيب، ومنهم من لم تسمح له بالتقبيل وفاته الشنب، وناهيك ببديهة الحاج علي بن مقاتل مع رسيلة الأستاذ شهاب الدين أحمد الأمشاطي رحمه الله تعالى، فإن أهل دمشق وحماة المحروستين بذلا بسبب ذلك جعلا، واضطراب الإقليمان، واتصلت القضية بمولانا السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون سقى الله ثراه وأدخل فيها الشيخ جمال الدين بن نباتة مع أثير الدين بن حيان وابن سيد الناس، وكتبوا تقاريظ تقضي أن زجل الحاج علي بن مقاتل هو الغالب.
وأما أهل دمشق فإنهم كتبوا بخلاف ذلك، لكون ابن الأمشاطي من عندهم، وكانت تقاريظ المشايخ بين أوراقي، وإنما في محنة اللنك ذهبت مع الكتب، ومطلع الأمشاطي:
لك خديح. مذ حاز ملح. روضو اصطبح. فيه واغتبق
خال لون سبج. يسبي المهج. زهرو خرج. وظهر فرج
من هام. به ليس يلام
ومطلع ابن مقاتل:
طرفي لمح. بدري اتضح. لي فيه ملح. ماعو حدق
إذا اختلج. فيها الدعج. يسبي المهج. ولو نسج
رقام. عذارو لام
قلت: هنا نكتة لطيفة أدبية خطر لي أن أتحف المتأمل بها، وما ذلك إلا أن القطاعين بين الرجلين بدمشق المحروسة قالوا للأمشاطي: لابد أن تأتي باسمك في أول مطلعك بحيث نعلم زجلك من زجل ابن مقاتل، والمطلع مع قصر ألفاظه مشتمل من القوافي على عشرة مرصعة في كل قرينة، ولفظة أحمد يضيق عنها في المطلع قصر الألفاظ فألجاته الضرورة إلى الدمج وقال: لك خديج. قد حاز ملح والله أعلم.
والفرق بين المطلعين في الحسن ظاهر، وإلى الآن لم يجسر أديب أن يعارض الزجلين لكثرة القوافي وضيقة المسالك، ولكن نظم الأستاذ شهاب الدين أحمد الأمشاطي بعد البدية زجلًا وجهزه إلى المغرب عاد مختلفًا ونظم الحاج علي بن مقاتل زجلًا خضع له أهل المشرق والمغرب موجهًا في خياط، وقد عن لي أن أختم هذا الكتاب بالزجلين ربما يحسن به الختام فزجل الأمشاطي:
أعشق لك من الأكياس ... معشوق وأنفق الأكياس
ون أوعد. وانعم. أنهب. وإن صال. إن هان. وأرفع قدرو
فوق العين وفوق الراس
سبحان من لي قد أبلا ... يمن للجسد أبلى
قلبي يسلا فيه إلا ... عن عشقو ما يتسلا
1 / 19