Breathing the Breeze of Intimacy from the Scents of the Fields of Holiness
استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس
Bincike
أبي مصعب طلعت بن فؤاد الحلواني
Mai Buga Littafi
الفاروق الحديثة للطباعة والنشر
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٤ م
Nau'ikan
استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس
3 / 289
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن يا كريم
[قال الشيخ الإمام العالم العلامة الأوحد، شيخ الإسلام والسنة، قامع البدعة، بقية السَّلف الصالح، وعمدة الخلف: أبو الفرج عبد الرحمن بن الشيخ الإمام القدوة أبي العباس أحمد بن رجب الحنبلي ﵁ وجزاه عن الأمة خيرًا].
الحمد لله الَّذِي فتح عَلَى قلوب أحبابه من فيح محبته، فعبق فيهم نشره وفاح، وشرح صدور أوليائه بنور معرفته؛ فأشرق عليهم نوره ولاح، أحياهم بين رجائه وخشيته، وغذاهم بولائه ومحبته؛ فلا تسأل عما هم فيه من السرور والأفراح، فسبحان من ذكره قوت القلوب وقرة العيون وسرور النفوس وروح الحياة وحياة الأرواح، وتبارك الذي من خشيته تتجافي عن المضاجع الجنوب، وبرجاء رحمته تتنفس عن نفوس الخائفين الكروب، وبروح محبته تطمئن القلوب وترتاح، ما طابت الدُّنْيَا إلا بذكره ومعرفته، ولا الآخرة إلا بقربه ورؤيته، فلو احتجب عن أهل الجنة لاستغاث أهل الجنة في الجنة كما يستغيث أهل النار في النار، وأعلنوا بالصياح، كل قلوب تألهت سواه فهي فاسدة ليس لها صلاح، وكل صدور خلت من هيبته وتقواه فهي ضيقة ليس لها انشراح، وكل نفوس أعرضت عن ذكره فهي مظلمة الأرجاء والنواح ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ [النور: ٣٥].
أحمده ونشر ذكره كلما نشر فاح، وأشكره، ومزيده عَلَى الشارين يتجدد بالغدو والرواح.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، له شهادة استمدها سلاحًا عَلَى الأعداء، فنعم الجنة ونعم السلاح، واستعدها مفتاحا لباب دار البقاء، فما للجنة
3 / 291
سواها مفتاح، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بعثه مفصحًا بتوحيده أي إفصاح، موضحًا لعبيده سبيل الهدى كل الاتضاح، فلم يزل ﷺ يعرف بالله حتى يعرف توحيده في جميع النواح، ويخوف بالله حتى لانت القلوب القاسية وصلحت كل (الفلاح) (١) [(*) ويذكر بآلاء الله حتى انشرحت القلوب بمحبته أعظم انشراح، وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تكون سببًا للفلاح، فحي عَلَى الصلاة وحي عَلَى الفلاح.
أما بعد؛ فإن الله -تعالى- خلق الخلق وأوجدهم لعبادته الجامعة لخشيته ورجائه ومحبته كلما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] وإنَّما يعبد الله -سبحانه- بعد العِلْم به ومعرفته، فبذلك خلق السماوات والأرض وما فيهما للاستدلال بهما عَلَى توحيده وعظمته كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق: ١٢] وقد علم أن العبادة إِنَّمَا تبنى عَلَى ثلاثة أصوال: الخوف والرجاء والمحبة.
وكل منهما فرض لازم، والجمع بين الثلاثة حتم واجب، فلهذا كان السَّلف يذمون من تعبد بواحد منها وأهمل الآخرين؛ فإن بدع الخوارج ومن أشبههم إِنَّمَا حدثت من التشديد في الخوف والإعراض عن المحبة والرجاء، وبدع المرجئة نشأت من التعليق بالرجاء وحده والإعراض عن الخوف، وبدع كثير من أهل الإباحة والحلول ممن ينسب إِلَى التعبد، نشأت من إفراض المحبة والأعراض عن الخوف والرجاء.
وقد كثر في المتأخرين المنتسبن إِلَى السلوك تجريد الكلام في المحبة وتوسيع القول فيها بما لا يساوي علي الحقيقة مثقال حبة، إذا هو عار عن الاستدلال بالكتاب والسنة، وخال من ذكر كلام من سلف من سلف الأمة وأعيان الأئمة،
_________
(١) في المطبوع: الصلاح.
(*) من هنا حدث سقط في النسخة الخطية التي بين أيدينا حتى عبارة: "وأمنحهم رياض قدسي" في الباب السابع.
3 / 292
وإنما هو مجرد دعاوي، قد تشرف بأصحابها عَلَى مهاوي، وربما استشهدوا بأشعار عشاق الصور، وفي ذلك ما فيه من عظيم الخطر، وقد يحكون حكايات العشاق، ويشيرون إِلَى التأدب بما سلكوه من الآداب والأخلاق، وكل هذا ضرره عظيم، وخطره جسيم.
وقد يكثر ذكر المحبة ويعيدها ويبديها من هو بعيد عن التلبس بمقدماتها ومباديها، وما أحسن قول ذي النون -رحمة الله تعالى- وقد ذكر عنده الكلام في المحبة فَقَالَ: "اسكتوا عن هذه المسألة، لا تسمعها النفوس فتدعيها" فإن النفوس من الكبر والفخر والغرور "والمتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" (١)، وكثير ما تقترن دعوى المحبة بالشطح والإدلال وما ينافي العبودية من الأقوال والأفعال.
...
_________
(١) أخرجه البخاري (٥٢١٩)، ومسلم (٢١٣٠) من حديث أسماء، وأخرجه مسلم (٢١٢٩) من حديث عائشة.
3 / 293
محتويات الكتاب
وقد استخرت الله -تعالى- في جمع ما ورد في الكتاب والسنة، وكلام أعيان سلف الأمة، ومن سلك سبيلهم من العارفين الأئمة، في محبة الله- جل وعلا- وعلاماتها وطرقها ولوازمها ومقتضياتها، وإن كنت لا أستقصي ذلك كله؛ فإنَّه يطول جدًا، وإنَّما أذكر منه أبوابًا أعدها عدًّا، وهي اثنا عشر بابًا:
(الباب الأول): في لزوم محبة الملك القدوس وتقديمها عَلَى الأموال والأولاد والنفوس.
(الباب الثاني): في بيان أن من أعظم المطالب وأهمها سؤال الله محبته عَلَى أكمل الوجوه وأتمها.
(الباب الثالث): في بيان الأسباب التي تستجلب بها محبة رب الأرباب.
(الباب الرابع): في علامات المحبة الصادقة من التزام طاعة الله والجهاد في سبيله واستحلاء الملامة في ذلك واتباع رسوله.
(الباب الخامس): في استلذاذ المحبين بكلام محبوبهم وأنه غذاء قلوبهم وغاية مطلوبهم.
(الباب السادس): في أنس المحبين بالله وأنه ليس لهم مقصود من الدُّنْيَا والآخرة سواء.
(الباب السابع): في سهر المحبين وخلواتهم بمناجاة مولاهم الملك الحق المبين.
(الباب الثامن): في شوق المحبين إِلَى لقاء رب العالمين.
(الباب التاسع): في رضا المحبين بمر الأقدار وتنعمهم ببلاء من يخلق ما يشاء ويختار.
(الباب العاشر): في ذكر خوف المحبين العارفين وفضله عَلَى خوف سائر الخائفين.
3 / 294
(الباب الحادي عشر): في شرف أهل الحب وأن لهم عند الله أعلى منازل القرب.
(الباب الثاني عشر): في نبذ من كلام أهل المحبة وتحقيقهم تقوى به القلوب علي سلوك طريقهم، وسميته (استنشاق نسم الأنس من نفحات رياض القدس) فإن قلوب الأحباب تشتاق باستنشاق نسيم الاقتراب، وقد خرج "الطبراني" (١) من حديث عمرو بن عبد الغفار -وهو ضعيف عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر مرفوعًا "أن الله -جل وعلا- يقول للجنة: طيبي لأهلك ليزدادوا طيبًا" فذلك البرد يجده الناس في السحر من ذلك.
ويروى بإسناد فيه ضعف، عن مجاهد، عن عطية، عن أبي سعيد قال: "إن الله ﷿ خلق جنة عدن من ياقوتة حمراء ثم قال لها: تزيني.
فتزينت، ثم قال لها: تكلمي. فقالت: طوبى لمن رضيت عنه. فأطبقها وعلقها بالعرش فلم يدخلها بعد ذلك إلا الله لا إله غيره يدخلها كل سحر، فذلك برد السحر".
وخرّجه الحاكم والبيهقي بإسناد جيد عن مجاهد من قوله مختصرًا، وأنشد بعضهم:
تمر الصبا صفحًا بسكان ذي الغضا ... ويصدع قلبي أن يهب هبوبها
قريبة عهد بالحبيب وإنما ... هوى كل نفس حيث حل حبيبها
وقد قيل: إن القلب المحب تحت فحمة الليل جمرة، كما هب عليه نسيم السحر التهب. وأنشدوا في هذا المعني:
تذكرني مر النسيم عهودكم ... فأزداد شوقًا كلما هبت الريح
أراني إذا ما أظلم الليل أشرفتْ ... بقلبي من نار الغرام مصابيح
_________
(١) في الصغير (١/ ٣٢) وقال: لم يروه عن الأعمش إلا عمرو بن عبد الغفار، تفرد به يوسف بن موسى أبو غسان.
قال الهيثمي في المجمع (١٠/ ٤١٢): وفيه عمرو بن عبد الغفار، وهو متروك.
3 / 295
أصلي بذكراكم إذا كنت خاليًا ... ألا إن تذكار الأحبة تسبيح
يشح فؤادي أن يخامر سره ... سواكم وبعض الشح في المرء ممدوح
وإن لاح برق بالغوير تقطع الـ ... ـفؤاد عَلَى واد به البان والشيح
والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
***
3 / 296
الباب الأول في لزوم محبة الملك القدوس وتقديمها عَلَى حب الأموال والأولاد والنفوس
قال الله ﷿: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: ٢٤].
قال أبو عبد الله محمد بن خفيف الصوفي: "سألنا أبو العباس بن سريج بشيراز فَقَالَ لنا: محبة الله فرض أم غير فرض؟ قلنا: فرض، قال: ما الدلالة عَلَى فرضها؟ فما منا من أتى بشيء يقبل فرجعنا إِلَيْهِ وسألناه: ما الدليل عَلَى فرض محبة الله ﷿؟ فَقَالَ: قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ﴾ إلى قوله: - ﴿أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ [التوبة: ٢٤] قال: فتوعدهم الله ﷿ عَلَى تفضيل محبتهم لغيره عَلَى محبته ومحبة رسوله، والوعيد لا يقع إلا عَلَى فرض لازم وحتم واجب".
وفي "الصحيحين" (١) عن أنس، عن النبي ﷺ قال: "والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أَحَبّ إِلَيْهِ من والده وولده والناس أجمعين".
وفي "الصحيحين" (٢) أيضًا أن عمر بن الخطاب ﵁ قال: "يا رسول الله، والله لأنت أَحَبّ إلي من كل شيء إلا من نفسي. فَقَالَ: لا يا عمر حتى أكون أَحَبّ إليك من نفسك. فَقَالَ: والله لأنت أَحَبّ إلي من نفسي. فَقَالَ: الآن يا عمر".
_________
(١) أخرجه البخاري (١٤)، ومسلم (٦٩).
(٢) أخرجه البخاري (٦٦٣٢) ولم يخرجه مسلم، قال ابن كثير في تفسيره (٢/ ٣٤٣): "انفرد بإخراجه البخاري".
3 / 297
ومعلوم أن محبة الرسول إِنَّمَا هي تابعة لمحبة الله جل وعلا؛ فإن الرسول إِنَّمَا يحب موافقة لمحبة الله له، ولأمر الله بمحبته وطاعته واتباعه، فإذا كان لا يحصل الإيمان إلا بتقديم محته عَلَى الأنفس والأولاد والآباء والخلق كلهم، فما الظن بمحبة الله ﷿؟
وذكر ابن إسحاق عن المغيرة بن عثمان بن الأخنس، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن "أن النبي - صلى الله عليه سلم- خطب لما قدم المدينة فَقَالَ في خطبته (١): "أحبوا من أَحَبّ الله وأحبوا الله من كل قلوبكم".
وقد جعل النبي ﷺ تقديم محبة الله ورسوله عَلَى محبة غيرهما من خصال
الإيمان ومن علامات وجود حلاة الإيمان في القلوب.
ففي "الصحيحين" (٢) عن أنس ﵁، وأن النبي ﷺ قال: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أَحَبّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يلقى في النار".
وفي رواية "النسائي" (٣): "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان وطعمه: أن يكون الله ورسوله أَحَبّ إليه مما سواهما، وأن يحب في الله ويبغض في الله، وأن توقد نار [عظيمة] (*) فيقع فيها أَحَبّ إليه من أن يشرك بالله شيئًا".
وفي مسند الإمام أحمد (٤) عن أبي رزين العقيلي قال: "قلت يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده
_________
(١) علقه ابن هشام في "السيرة النبوية" (٢/ ١٦٦ - ١٦٧).
وأخرج البيهقي في دلائل النبوة (٢/ ٥٢٥) شطره الأخير.
(٢) أخرجه البخاري (١٦)، ومسلم (٤٣).
(٣) (٨/ ٩٤ - ٩٥) برقم (٤٩٨٧).
(*) من سنن النسائي.
(٤) (٤/ ١١).
وقال الهيثمي في المجمع (١/ ٥٣ - ٥٤): رواه أحمد، وفي إسناده: سليمان بن موسي، وقد وثقه ابن معين وأبو حاتم وضعفه آخرون.
3 / 298
ورسوله، وأن يكون الله ورسوله، أَحَبّ البك مما سواهما، وأن تحرق في النار أَحَبّ إليك من أن تشرك بالله، وأن تحب غير ذي نسب لا تحبه إلا لله، فَإِذَا كنت كذلك فقد دخل حب الإيمان في قلبك كما دخل حب الماء للظمآن في اليوم القائظ" (١).
ورُوي من حديث المقداد بن الأسود عن النبي ﷺ قال: "من أَحَبّ الله ورسوله صادقًا من قلبه، ولقي المؤمنين فأحبهم، ومن كان أمر الجاهلية عنده كنار أججت فألقي فيها فقد طَعِمَ طَعْمَ الإيمان -أو قال: بلغ ذروة الإيمان" (٢).
ومن هذا المعني أن الله -تعالى- قال ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ...﴾ [الممتحنة: ١٠] فأمر بامتحانهن ليعلم إيمانهن، فكان النبي ﷺ يحلفهن أنهن ما خرجن إلا حبًّا لله ورسوله، لم يخرجن رغبة في غير ذلك؛ فيكون ذلك علمًا بإيمانهن.
قال ابن عباس في هذه الآية: "كانت المرأة إذا أتت النبي ﷺ لتسلم حلفها بالله: ما خرجتي من بغض زوج إلا حبًّا لله ورسوله؟ ".
وهو موجود في بعض نسخ الترمذي (٣) كذلك.
وخرّجه البزار في "مسنده" (٤)، وابن جرير (٥) وابن أبي حاتم، ولفظه:
_________
(١) وهو الشديد الحر.
(٢) أخرجه الطبراني في الكبير (٢٠/ ٦٠٦).
وقال الهيثمي في المجمع (١/ ٨٨): رواه الطبراني في الكبير، وفيه شريح بن عبيد، وهو ثقة مدلس، اختلف في سماعه من الصحابة لتدليسه.
(٣) برقم (٣٣٠٨) وقال: "هذا حديث غريب".
(٤) برقم (٢٢٧٢ - كشف) قال البزار: لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، وأبو نصر لم يرو عنه إلا خليفة.
وقال الهيثمي في المجمع (٧/ ١٢٣): وفيه قيس بن الربيع، وثقه شعبة والثوري وضعفه غيرهما، وبقية رجاله ثقات.
(٥) في تفسيره (٢٨/ ٤٤).
3 / 299
"حلفها بالله ما خرجتي من بغض زوج، وبالله ما خرجتي إلا حبًّا لله ورسوله".
وخرج إبراهيم بن الجنيد الختلي في "كتاب المحبة" بإسناد ضعيف عن أبي هريرة مرفوعًا قال: "الإيمان في قلب الرجل أن يحب الله ﷿".
ومن مراسيل الزهري أن النبي ﷺ قال: "رأس الإيمان المحبة لله ﷿ وطابع الإيمان: البر والعدل، وتحقيق الإيمان بإكرام ذي الدِّين وذي الشيبة".
***
3 / 300
فصل محبة الله عَلَى درجتين: ١ - فرض لازم ٢ - درجة السابقين
ومحبة الله ﷾ عَلَى درجتين: إحداهما فرض لازم، وهي أن يحب الله -سبحانه- محبة توجب له، محبة ما فرض الله عليه، وبغض ما حرمه عليه، ومحبة لرسوله المبلغ عنه أمره ونهيه، وتقديم محبته عَلَى النفوس والأهلين أيضًا كما سبق، والرضا بما بلغه عن الله من الدين وتلقي ذلك بالرضا والتسليم، ومحبة الأنبياء والرسل والمتبعين لهم بإحسان جملة وعمومًا لله ﷿ وبغض الكفار والفجار جملة وعمومًا لله ﷿ وهذا القدر لابد منه في تمام الإيمان الواجب، ومن أخل بشيء منه فقد نقص من إيمانه الواجب بحسب ذلك.
قال الله ﷿: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥] وكذلك ينقص من محبته الواجبة بحسب ما أخل به من ذلك، فإن المحبة الواجبة تقتضي فعل الواجبات وترك المحرمات.
وخرج أبو نعيم (١) من حديث عمر بن الخطاب ﵁ قال: سمعت النبي ﷺ يقول: "إن سالما -يعني: مولى أبي حذيفة- شديد الحب لله لو كان لا يُخافُ الله ما عصاه" يشير إِلَى أن محبة الله تمنعه من أن يعصيه.
وذكر أبو عبيد في "غريبه" (٢) أن عمر قال: "نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه" (٣).
_________
(١) في الحلية (١/ ١٧٧) وقال الشيخ الألباني -عليه رحمة الله- في ضعيف الجامع (١٨٦١): "موضوع".
(٢) غريب الحديث (٣/ ٣٩٤).
(٣) نقل "العجلوني" في كشف الخفاء (٢/ ٤٤٦ - ٤٤٧) عن البهاء السبكي والسيوطي=
3 / 301
قال الحسن بن آدم: "أَحَبّ الله يحبك الله، واعلم أنك لن تحب الله حتى تحب طاعته".
وقال عبد الله بن حنيف: "قال رجل لرابعة إني أحبك في الله.
قالت: "فلا تعصي الَّذِي أحببتني له".
وسئل ذو النون: متي أَحَبّ ربي؟ قال: "إذا كان ما يبغضه عندك أمر من الصبر".
وقال بشر بن السري. "ليس من أعلام الحب أن تحب ما يبغض حبيبك".
وقال أبو يعقوب النهرجوري: كل من ادعى محبة الله ﷻ ولم يوافق الله في أمره فدعواه باطلة، وكل محب ليس يخاف الله فهو مغرور".
وقال يحيى بن معاذ: "ليس بصادق من ادعى محبة الله ولم يحفظ حدوده".
وقال رويم: "المحبة الموافقة في جميع الأحوال" وأنشد:
ولو قلت لي مت مت سمعًا وطاعة ... وقلت لداعي الحق أهلا ومرحبًا
وقد تقدم أن العبد لا يجد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا لله، وحتى يكره أن يرجع إِلَى الكفر، كما يكره أن يلقي في النار.
ولهذا المعني كان الحب في الله والبغض في الله من أصول الإيمان.
وخرج الترمذي (١) من حديث معاذ بن أنس الجهني، عن النبي ﷺ قال: "من أعطى لله ومنع لله وأحب لله وأبغض لله؛ فقد استكمل إيمانه".
وخرج الإمام أحمد (٢) وزاد فيه: "وأنكح لله" وفي لفظ له أيضًا (٣) "أن النبي ﷺ سئل عن أفضل الإيمان قال: أن تحب لله وتبغض لله وتعمل لسانك في
_________
=وابن حجر اجتهادهم في البحث عن إسناد لهذا الحديث، وعدم وقوفهم عليه.
(١) برقم (٢٥٢١) وقال: هذا حديث حسن.
(٢) (٣/ ٤٣٨، ٤٤٠).
(٣) أخرجه أحمد (٥/ ٢٤٧) من طريقين.
قال الهيثمي في المجمع (١/ ٨٩): "وفي الأولى: رشدين بن سعد، وفي الثانية ابن لهيعة وكلاهما ضعيف".
3 / 302
ذكر الله، وخرج أبو داود (١) من حديث أبي أمامة، عن النبي ﷺ قال: "من أَحَبّ لله وأبغض لله وأعطى لله؛ فقد استكمل الإيمان".
ومن حديث أبي ذر، عن النبي ﷺ قال: "أفضل الإيمان: الحب في الله والبغض في الله" (٢).
وخرج الإمام أحمد (٣) من حديث البراء بن عازب، عن النبي ﷺ قال: "إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله".
ومن حديث عمرو بن الجموح، عن النبي ﷺ قال: "لا يجِدُ العبْدُ حقَّ صرِيح الإيمانِ حتَّى يُحبَّ للَّهِ ويبْغِضَ للَّه، فإذا أحبَّ للهِ، وأبْغَضَ للَّهِ فقدْ استحقَّ الولايَةَ منَ اللَّه، وإن أوْليائِي منْ عبادي وأحبَّائِي منْ خلقِي يُذْكَرُون بذِكرِي وأُذكرُ بذكرِهِم" (٤).
وفي هذا المعني أحاديث كثيرة:
وروى ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال: "من أَحَبّ في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك". وقد صار عامة مؤاخاة الناس علي أمر الدُّنْيَا وذلك لا يجدي عَلَى أهله شيئًا. خرجه ابن جرير الطبري.
وخرج أيضًا بإسناده عن ابن مسعود قال: "من أَحَبّ لله وأبغض لله ومنع لله وأعطى لله فقد توسط الإيمان".
وخرج الحاكم (٥) من حديث عائشة ﵂ عن النبي ﷺ قال:
_________
(١) برقم (٤٦٨١).
(٢) أخرجه أبو داود (٤٥٩٥)، وأحمد (٥/ ١٤٦) بلفظ: "أفضل الأعمال".
(٣) (٤/ ٢٨٦) بلفظ: "إن أوسط ... " وقال الهيثمي في المجمع (١/ ٨٩ - ٩٠): رواه أحمد، وفيه ليث بن أبي سليم، وضعفه الأكثر.
(٤) أخرجه أحمد (٣/ ٤٣٠).
قال الهيثمي في المجمع (١/ ٨٩): فيه رشدين بن سعد، وهو منقطع ضعيف.
(٥) (٢/ ٢٩١) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. =
3 / 303
"الشرك أخفى من دبيب النمل عَلَى الصفا في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب عَلَى شيء من الجور، وتبغض عَلَى شيء من العدل، وهل الدين إلا الحب في الله والبغض في الله؟! قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ﴾ [آل عمران: ٣١] وقال: صحيح الإسناد، وفيما قاله نظر؛ ففي هذا الحديث أن محبة ما يبغضه الله وبغض ما يحبه الله من الشرك الخفي.
وروينا من طريق الأصمعي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد أنَّه قال في قوله تعالى: ﴿يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [النور: ٥٥] قال: لا يحبون غيره".
وحينئذ فلا يكمل التوحيد الواجب إلا بمحبة ما يحبه الله وبغض ما يبغضه الله، وكذلك لا يتم الإيمان الواجب إلا بذلك.
ومن هنا يعلم أن الإخلال ببعض الواجبات وارتكاب بعض المحرمَّات ينقص به الإيمان الواجب بحسب ذلك، كما قال النبي ﷺ "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ... " (١) الحديث.
وروى الإمام أحمد (٢) من طريق الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب قال: "من أصبح وأكبر همه غير الله فليس من الله".
وقد رُوي هذا مرفوعًا من حديث أنس بأسانيد ضعيفة (٣).
_________
=وتعقبه "الذهبي" قائلا: عبد الأعلى، قال الدراقطني: ليس بثقة.
وأخرجه البزار (٣٥٦٦ - كشف) وقال: "لا نعلمه يروى عن عائشة إلا بهذا الإسناد". وقال الهيثمي في الجمع (١٠/ ٢٣): رواه البزار، وفيه عبد الأعلى بن أعين، وهو ضعيف.
(١) أخرجه البخاري (٢٤٧٥) وفي مواضع أخر، ومسلم (٥٧).
(٢) في الزهد (ص ٤٢).
(٣) أخرجه ابن عدي في الكامل (٧/ ٦٧) وأبو نعيم في الحلية (٣/ ٤٨) وقال أبو نعيم: لم يروها عن أنس ﵁ غير فرقد، ولا عنه إلا وهب بن راشد، ووهب وفرقد غير محتج بحديثهما وتفردهما.
وقال ابن عدي في ترجمة وهب بن راشد: يروي عن ثابت ومالك بن دينار وفرقد السبخي، ليست روايته عنهم بالمستقيمة.=
3 / 304
فهذه الدرجة من محبة الله فرض واجب عَلَى كل مسلم وهي درجة المقتصدين أصحاب اليمين
الدرجة الثانية درجة السابقين المقربين، وهي أن ترتقي المحبة إلي ما يحبه الله من نوافل الطاعات، وكراهة ما يكرهه من دقائق المكروهات، وإلى الرضا بما يقدره ويقضيه مما يؤلم النفوس من المصائب، وهذا فضل مستحب مندوب إِلَيْهِ.
وفي صحيح البخاري (١)، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: "يقول الله ﷿ «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنَتْهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لِأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَ أَكْرَهُ مَسَاءَتَه».
وقد رُوي هذا المعني عن النبي ﷺ من حديث علي بن أبي طالب (٢) ﵁ وابن عباس (٣) -وأبي أمامة (٤) وعائشة (٥) ﵃ بأسانيد
_________
=ثم ساق ابن عدي لوهب أحاديث عن ثابت وفرقد، ومنها حديثنا هذا وقال: وهذه الأحاديث غير محفوظة، ولا أعلم يرويها غير وهب بن راشد.
ثم قال ابن عدي: ولوهب غير ما ذكرت، وأحاديثه كلها فيها نظر.
(١) برقم (٦٥٠٢).
(٢) أخرجه الإسماعيلي في "مسند علي" كما في الفتح (١١/ ٣٤٩) وضعفه الحافظ.
(٣) أخرجه الطبراني في الكبير (١٢/ ١٢٧١٩) وضعفه الحافظ في الفتح.
وقال الهيثمي في "المجمع" (١٠/ ٢٧٠): "فيه من لم أعرفه".
(٤) أخرجه الطبراني في الكبير (٨/ ٧٨٣٣، ٧٨٨٠)، والبيهقي في الزهد الكبير (٦٩٦) وقال في المجمع (٢/ ٢٤٨): فيه علي بن يزيد، وهو ضعيف.
(٥) أخرجه أحمد (٦/ ٢٥٦)، وأبو نعيم في "الحلية" (١/ ٥).
قال الهيثمي في المجمع (١/ ٢٦٩): فيه عبد الواحد بن قيس، وقد وثقه غير واحد، وضعفه غيرهم.
3 / 305
فيها نظر.
وذكر ابن أبي الدُّنْيَا بإسناده عن سهيل أخي حزم قال: بلغني عن عامر بن عبد قيس أنَّه كان يقول: "أحببت الله ﷿ حبًّا سهل علي كل مصيبة، ورضاني بكل قضية، فما أبالي مع حبي إياه ما أصبحت عليه وما أمسيت".
وقال إبراهيم بن الجنيد: حدثنا محمد بن الحسن، حدثني عبيد الله بن محمد التميمي "أن رجلًا قال لعابد: أوصني -أو عظني- فَقَالَ: أي الأعمال أغلب عَلَى قلبك؟ فَقَالَ الرجل: والله ما أجد شيئًا أنفع للمحب عند حبيبه من المبالغة في محبته وهل تدري ما ذلك؟ أن لا يعلم شيئًا فيه رضاه إلا أتاه، ولا يعلم شيئًا فيه سخطه إلا اجتنبه، فعند ذلك ينزل المحبون من الله منازل المحبة. قال: فصرخ العابد والسائل وسقطا".
وقد تبين بما ذكرناه أن محبة الله إذا صدقت أوجبت محبة طاعته وامتثالها، وبغض معصيته واجتنابها، وقد وقع المحب أحيانًا في تفريط في بعض المأمورات وارتكاب لبعض المحظورات ثم يرجع عَلَى نفسه بالملامة، وينزع عن ذلك ويتداركه بالتوبة.
وفي صحيح البخاري (١) "أن رجلًا كان يؤتى به إِلَى النبي ﷺ قد شرب الخمر، فَقَالَ رجل: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به؟ فَقَالَ رسول الله: لا تلعنه؛ فإنَّه يحب الله ورسوله".
وقد رُوي عن الشعبي في "قوله ﷿: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وإذا أَحَبّ الله عبدًا لم يضره ذنبه".
وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: "إن الله -تعالى- ليحب العبد حتى يبلغ من حبه إذا أحبه أن يقول له: اذهب فاعمل ما شئت؛ فقد غفرت لك".
_________
(١) برقم (٦٧٨٠).
3 / 306
والمراد من هذا أن الله -تعالى- إذا أَحَبّ عبدًا وقدر عليه بعض الذنوب؛ فإنَّه يقدر له الخلاص منها بما يمحوها من توبة إو عمل صالح أو مصائب مكفرة، كما في الحديث عن النبي ﷺ قال: "أذنب عبد ذنبًا فَقَالَ: أي ربي، عملت ذنبًا؛ فاغفر لي؟ -فذكر الحديث- إِلَى أن قال- فليعمل ما شاء" (١).
والمراد ما دام عَلَى هذا، كما عمل ذنبًا اعترف به وندم عليه واستغفر منه، فأما مع الإصرار عليه فلا، وكذلك المحبة الصادقة الصحيحة تمنع من الإصرار عَلَى الذنوب وعدم الاستحياء من علام الغيوب.
وما أحسن قول بعضهم:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه ... هذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبك صادقًا لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع
...
_________
(١) أخرجه البخاري (٧٥٠٧)، ومسلم (٢٧٥٨).
3 / 307
الباب الثاني في بيان أن من أعظم المطالب وأهمها سؤال الله تعالى محبته عَلَى أكمل الوجوه وأتمها
روى معاذ بن جبل ﵁ عن النبي ﷺ قال: "أتاني ربي ﵎ في أحسن صورة -يعني: في المنام- فذكر الحديث، وقال في آخره: قال: سل. قلت: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون، وأسألك حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربني إِلَى حبك.
فَقَالَ ﷺ: إنها حق؛ فادرسوها وتعلموها".
خرجه الإمام أحمد (١) والترمذي (٢) وقال: حسن صحيح.
وخرّجه الحاكم (٣) وقال: صحيح الإسناد.
وفي بعض الروايات: "وحب عمل يبلغني حبك".
وخرج البزار (٤) والطبراني (٥) والحاكم (٦) من حديث ثوبان، عن النبي ﷺ
_________
(١) في المسند (٥/ ٢٤٣).
(٢) برقم (٣٢٣٥).
قال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: هذا حديث حسن صحيح.
(٣) (١/ ٥٢).
(٤) برقم (٢١٢٨ - كشف).
قال الهيثمي في المجمع (٧/ ١٧٧ - ١٧٨): رواه البزار من طريق أبي يحيى عن أبي أسماء الرحبي، وأبو يحيى لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
(٥) لم أجده في مسند ثوبان من "المعجم الكبير"، ولم يعزه الهيثمي إلا للبزار. وليس الحديث أيضًا في المعجمين "الأوسط والصغير" للطبراني.
(٦) (١/ ٥٢٧) وقال: هذا حديث صحيح عَلَى شرط البخاري.
3 / 308
نحوه.
وخرج البزار (١) بإسناد فيه ضعف، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ نحوه، وفي حديثه: "اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إِلَى حبك، اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي حتى أعلم أنَّه لن يصيبني إلا ما كتبت لي، ورضني بما قسمت لي".
وخرج الترمذي (٢) والحاكم (٣) من حديث أبي الدرداء، عن النبي ﷺ قال: "كان من دعاء داود ﵇: اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك والعمل الَّذِي يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أَحَبّ الي من نفسي وأهلي ومن الماء البارد".
قال: وكان النبي ﷺ إذا ذكر داود وتحدث عنه قال: "كان داود أعبد البشر". وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
وخرج الترمذي (٤) أيضًا من حديث عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري، عن النبي ﷺ "أنَّه كان يقول في دعائه: اللهم ارزقني حبك، وحب من ينفعني حبه عندك، اللهم ما رزقتني مما أَحَبّ فاجعله فراغًا لي فيما تحب" وقال: حسن غريب.
وخرج ابن أبي الدُّنْيَا وغيره من رواية أبي بكر بن أبي مريم، عن الهيثم بن مالك الطائي "أن النبي ﷺ كان يدعو: اللهم اجعل حبك أَحَبّ الأشياء إلي، واجعل خشيتك أخوف الأشياء عندي، واقطع عني حاجات الدُّنْيَا بالشوق إِلَى
_________
(١) برقم (٢١٢٩ - كشف).
وقال الهيثمي في المجمع (٧/ ١٧٨): وفيه سعيد بن سنان، وهو ضعيف، وقد وثقه بعضهم، ولم يلتفت إليه في ذلك.
(٢) برقم (٣٤٩٠) وقال: هذا حديث حسن غريب.
(٣) في المستدرك (٢/ ٤٣٣) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي فَقَالَ: بل عبد الله هذا قال أحمد: أحاديثه موضوعة.
(٤) برقم (٣٤٩١) وقال: هذا حديث حسن غريب.
3 / 309