Bismarck: Rayuwar Mayar da hankali
بسمارك: حياة مكافح
Nau'ikan
ولا يخلو ذهنه من التصوف، وتعظم خرافته، فمن قوله: «أعلق أهمية كبيرة على مثل تلك العلائم في الطبيعة الصامتة، فالطبيعة أبرع منا وأعقل.» وهو يكثر من ذكر ما تنطوي عليه الأرقام من سحر، فقد سبق أن نظر إلى دورية حياته فحسب تاريخ وفاته، والآن يرى أن حياته ستختم في سنة 1898 لأنه لم يمت في سنة 1883، والآن يقول: «هنالك أمور كثيرة لا يمكن تفسيرها كالنور والشجر وحياتنا الخاصة، ولم لا يكون من الأمور ما يجاوز حدود إدراكنا المنطقي إذن! أوصى مونتين بأن تكتب على قبره كلمة: ربما، فأود أن تكتب على قبري كلمة: سنرى.»
أويعتقد بسمارك الشيخ دوام أثره؟ هو لم يخدع بملق قومه، وهو لم يبهر بالصيت، ولا جرم أن ذكره طبق الآفاق في الوقت العتيد، ومن ذلك أن أتاه نائب عاهل الصين؛ ليسأله عن أقوم الطرق في مقاومة دسائس البلاط في بكين، ومن ذلك أن وجد من العرب من كتب يقول له إنه مشهور في العالم العربي وإن معنى اسمه «طلقات سريعة» و«نشاط مع شجاعة» (؟)، وما قيمة اشتهاره بين الألمان؟ فالألمان «صغار قصار الأبصار، ولا أحد منهم يعمل في سبيل الجميع، وكل واحد منهم يعمل من أجل نفسه، وكل واحد منا لا يحتمل الآخر، وكل واحد منا سمح مع الأجنبي، وإن مما يقض مضاجعي أن أبصرهم يهدمون البناء الذي أقمته حجرا بعد حجر، ثم يختلط حابل أفكاري بنابلها.» وهكذا يزعج بسوء ظنه القديم، وهكذا يحرك بانقسامات الأمة وبارتيابه الحديث من مولاها، فينظر إلى المستقبل بقلق متزايد بعد بلوغه الثمانين من سنيه.
وفي عيد ميلاده يعرب له جميع شعوب ألمانية عن ولائهم، وهو لم يغمطه فيرفض تهنئته غير عدوه القديم الريشتاغ، ويقف بسمارك على الشرفة ويخاطب الشبيبة بقوله: «لا تضق صدوركم، وارضوا بما أعطاكم الله، وقد وفقنا لإنقاذ ما أعطاه على الرغم من خطط بقية الأوروبيين المتوعدة، وليس هذا بالأمر الهين في كل زمن.» فبهذه البراعة يلقي برقعا دقيقا على غمومه في تلك الساعة من عيد ميلاده، وهو - كما في كل وقت - يتذرع بذلك الأسلوب المغري الجدير بمن يمهد المصاعب ، وينظر الطلاب إلى الشائب الساحر الذي يتبلج وجهه مع غموض على نور المشاعل الخفاقة، فلا يدركونه جيدا.
والمستقبل وحده هو مصدر غمومه تلك، وليس في الماضي ما يخافه، وإذا نشرت مذكرات ورسائل كان له بذلك حافز، فلما اشترى أحد المصارف رسائله لحساب مانتوفل قال: «لقد نسيت - في الحقيقة - ما تشتمل عليه هذه الرسائل، وهذا إلى أنني لم أكتب رسالة يؤسفني نشرها.»
وهذا صحيح، فهو لم يرغب في كتمه تغيير رأي أو حزب، وهو لم يأت قط أي عرض لمبادئ، ومما سره أن قرأ رسائل رون عنه بعد طبعها، ولديه مجموعة عن صوره الهزلية، فكان يبتهج بأن يتلو على ضيوفه قولا عن فمه الصارم وعينيه الغاضبتين وحاجبيه الحادين، ولكن لما عرض عليه نموذج لتمثال له أيام طلبه بحث في الملامح كعالم بالفراسة، فقال: إن المتفنن أخطأ في عرضه أصيلا ودبلميا في وقت واحد، وقال إن شفته السفلى أغلظ من شفته العليا على الدوام، فكان ذلك آية على الثبات، وقال إن رقة شفته العليا علامة على الطموح إلى السلطان.
وإذا لم تتح له فرصة للمشاكسة ولم يجد موضوعا للسخرية، وإذا لم يجلس وحيدا مستمعا من بعيد إلى ضوضاء عمله؛ لم يجد في ذلك ما يحمله على المباهاة باتساع بصيرته، وإنما يذعر من مغامرته، وفي ذلك يقول: «كانت حياتي بأسرها مضاربة جريئة بمال الآخرين، وما كنت أبصر هل يكتب النجاح لخططي، ويا لعظم ما أشعر به من مسئولية في ذلك اللعب بمال غيري! ولا أزال أقضي ليالي أرق عندما أفكر في إمكان سير الأمور في الماضي على وجه خلاف ما وقع.»
ويشتد غما في أثناء مرض حنة الأخيرة، ويود لو يموت معها، فقد قال: «لا أرغب في الموت قبل زوجي، كما أنني لا أرغب في البقاء بعدها.» ويأتي بها إلى فارزين وفق طلبها، وهي تشكو من ضيق النفس فلا تكاد تتحرك، وبسمارك مع أنه صار يملي على غيره ما يرسل من كتب قليلة، ومع أنه عاد لا يكتب من الرسائل بيده إلا نادرا ؛ خط بقلمه الأسطر الآتية بعد موت أخيه مرسلا إياها إلى أخته: «يجب ألا أزيد سوداء حنة بأن أدعها تلاحظ ما في من حزن، فهي منهوكة القوى، وتتوقف حياتها على المؤثرات النفسية، واليوم لدينا أخبار مكدرة عن بيل لإصابته بداء المفاصل، وفي الماضي كان يسرني دوما أن أذهب إلى فارزين، وأما الآن فلا أكاد أوطن نفسي على السفر إليها لولا وجود حنة فيها، وأتمنى في الوقت الحاضر أن أقيم بمكان لا أغادره إلا إلى القبر، والعزلة هي ما أبحث عنه ... من أخيك المخلص الوحيد التعب من الحياة: فون بسمارك.»
وفي الخريف تموت حنة بالغة السبعين من عمرها، وفي الليلة السابقة استطاعت حنة أن تكلمه حول المائدة عند تناول العشاء، وفي الصباح ذهب إلى غرفتها فوجدها متوفاة، ويجلس رجل القوة هذا حافيا لابسا ثياب النوم ويبكي كالطفل، فقد خسر شيئا لا يعوض، وكان هذا من ملاءمة ثنائية حياته ما قابل معه في المساء نفسه بين نهاية سلطانه السياسي ونهاية حياة هذه الصادقة، «وهذه نهاية أعظم مما في سنة 1890؛ لما لها من الأثر العميق في حياتي، ولو بقيت في الخدمة لدفنت نفسي في العمل، وقد ضن علي بتلك التعزية.»
وفي اليوم التالي يأخذ وردة من إكليل، ويذهب إلى خزانة كتبه، ويتناول مجلدا من التاريخ الألماني ويقول: «قد يغير هذا أفكاري».
والآن يوجد محل خال في حياته، ولا شيء يستطيع أن يقوم مقام تلك النظرة الهادئة المخلصة التي كان يمكنه أن يغوص فيها حينما يود أن ينسى لبضع دقائق مناضلاته وإهاناته، واليوم يسأل أخته عن سبب سكنها بعيدة منه: «وهكذا يصنع ولداي اللذان نشدا الاستقلال عن ظل المنزل الأبوي، وابنتي المحبوبة ماري هي عندي ... وهي إعارة لدي ... وكان كل ما بقي لي هو حنة وصلتي بها وقلقي الدائم حول صحتها وما أحمله من شكر لها منذ ثمانية وأربعين عاما، والآن كل شيء باطل، والآن كل شيء خال، وهذا الشعور جائر، ولكن ما بيدي حيلة، وأعذل نفسي لما كان من كفراني تجاه حب الشعب وشكرانه لما قدمت إليه من خدم، وإذا كنت قد تمتعت في السنين الأربع الأخيرة بذلك الحب والعرفان بالجميل فلتمتع حنة بهما أيضا، واليوم خبت تلك الشعلة في، فأدعو الله ألا يطيل عمري ... اغفري لي شكواي هذه يا أخت قلبي الصغيرة، فلن أعيش كثيرا.»
Shafi da ba'a sani ba