Gina Al'ummar Larabawa
منهاج مفصل لدروس في العوامل التاريخية في بناء الأمة العربية على ما هي عليه اليوم
Nau'ikan
ثم كانت المرحلة الثانية؛ مرحلة التنظيمات، التجديد. وقد تأثرت بها الولايات أيضا تأثرا كبيرا، وكان التنظيم على نوعين؛ نوع تم على يد الحكومة وعمالها، ويرمي عموما إلى ربط الولاية بحكومة العاصمة ربطا قويا وإلى إخضاع الجماعات والهيئات إخضاعا تاما للحكومة، ونوع آخر تم على يد الجماعات والهيئات نفسها، وخصوصا في أمور التربية والتعليم والاستثمار. وهذه المرحلة الثانية هي المرحلة التي عملت فيها العوامل الجديدة في تكوين العرب المحدثين.
وقد شهدت القرون الأربعة التي اتصلنا فيها بالدولة العثمانية أدوارا للتاريخ الأوروبي والعالمي، نختار منها ما يهمنا معرفته إما على وجه تأثرنا به عن قرب أو عن بعد أو على وجه خلو تاريخنا مما يماثله. وليكن إثباتنا لهذه الأدوار إثباتا موجزا جدا. (1)
في القرن الخامس عشر والسادس عشر بلغت حركة الكشف الأوروبي الجغرافي أوجها، ونتائجها جد خطيرة للعرب؛ فقد مكنت الأوروبيين من الالتفاف حول العالم العربي وتطويقه، وقد هيأت لهم أيضا سيادة في بحار لم ينازع الملاحة العربية فيها منازع. ولقائل أن يقول: إن العرب قبل الزمن الذي حددناه وبعده أيضا كانت لهم حركات ارتياد واستعمار: برية وبحرية، فكيف إذن نجعل للحركة الأوروبية تلك الخطورة؟ والرد على ذلك ما يأتي: إن الحركات العربية كانت من صنع جماعات أو أفراد، لا تنشأ عن سياسة قومية - كسياسة البرتغاليين أو الإسبانيين أو الهولنديين ... إلخ - وتنتهي باستقرار إمارة أو جالية عربية على ساحل أو في واحة أو ما إلى ذلك، وشتان بين هذا وبين الإمبراطوريات البرتغالية والهولندية والإسبانية والبريطانية ... إلخ.
وعلى هذا ففي الطور العالمي من التاريخ الذي فتحته حركة الكشف الجغرافي دخل العرب مدافعين عما في أيديهم، ممثلين لطور قديم لا مشاركين في بناء جديد. (2)
وعلى هذا فالدول الكبرى الإسلامية التي تشكلت في القرن السادس عشر تمثل القديم ولا تقبل التجديد إلا مضطرة، وتقبله في القرن التاسع عشر واردا عليها من الخارج.
وهذه الدول هي العثمانية وفيها اندمج العرب كما قدمنا، والفارسية والمغولية بالهند، ويصح أن نضيف إليها الدولة المغربية، هذا إلى الكثير من الإمارات والمشيخات في مختلف الأقطار. (3)
شهد التاريخ الأوروبي «الثورات» أو التغييرات الآتية:
بناء الوحدات القومية على يد الأسرات: ملكية - النهضة - الانقسام الديني والحروب الدينية وانتصار فكرة السماحة الدينية وفكرة تحرير الدولة من سلطان الكنيسة - الثورة العلمية - الثورات الهولندية والإنجليزية والأمريكية - الثورة الفرنسية - الانقلاب الصناعي - بناء المذاهب الاجتماعية الكبرى - بناء النظريات العلمية العامة - حركة التطبيق العلمي - الثورات الاجتماعية.
وفي هذه كلها لم نشارك في الإنشاء، ولكن تلقينا من النتائج ما تلقينا، أحيانا بالرضا وأحيانا كارهين، وفي كل الأحوال نقبل تحت ضغط الضرورة. (4)
وفي القرون الأربعة التي أشرنا إليها تمر العلاقات الأوروبية العثمانية في الأدوار الآتية:
Shafi da ba'a sani ba