Gina Al'ummar Larabawa
منهاج مفصل لدروس في العوامل التاريخية في بناء الأمة العربية على ما هي عليه اليوم
Nau'ikan
ولا يقل أهمية عن هذا بقاء حيوية الجماعات المغربية خلال تلك العصور الطويلة، ونجحت سياسة السلاطين العظام في المحافظة على تلك الحيوية داخل حدود الأمن والنظام.
ويختلف أيضا تاريخ المغرب عن سائر الأقطار الشرقية وعن تونس في أن موجة التجديد التي طغت على تلك الأقطار في القرن التاسع عشر لم تطغ على المغرب، فحافظ سلاطينه خلال ذلك القرن جهد ما استطاعوا على إغلاق بلادهم ضد مشروعات التجديد، سواء أجاءتهم من الخارج أو من الداخل. ومن يدري؟ فقد يكون هذا الإغلاق من الأسباب التي جنبت المغرب ما حصل لمصر ولتونس وللسلطنة العثمانية ولإيران ... إلخ.
والواقع أن التجديد لم يبدأ إلا في أيام مولاي عبد العزيز. وقد ورث عن أبيه مولاي الحسن سلطنة لا بأس بها في سنة 1894، هذا إن صح أن نسمي «صبيانيات» عبد العزيز تجديدا، وهذه الصبيانيات تركبت منها مأساة التدخل الإسباني والتدخل الفرنسي. وفي سبيل الاستحواذ على المغرب بموقعه الفريد وخيراته الصميمة الظاهرة والكامنة وفي وجه القوة الألمانية النامية؛ اضطرت فرنسا وبريطانيا إلى أن يتقاربا وأن يتخذا من مصر والمغرب أداة الاتفاق الودي؛ فسلمت فرنسا لبريطانيا بمركزها في مصر وسلمت بريطانيا لفرنسا بأن تخلق لنفسها مركزا مماثلا في المغرب، واضطرت فرنسا لأن تقبل مشاركة إسبانيا، واضطر الجميع لأن يتركوا لإيطاليا طرابلس الغرب عوضا.
ولعل هذا الشرح يمكننا من أن ندرك أن هذه الاتفاقات لم تخلق لفرنسا في المغرب أو لإيطاليا في طرابلس أو لبريطانيا «المركز» الفريد الذي توهمه ساسة تلك الممالك. فلم يتصور أحد من هؤلاء الساسة في تلك الأيام من القرن التاسع عشر أن تسوية الموقف في النهاية ستكون مع شعوب المغرب الأقصى أو تونس أو الجزائر أو المغرب الأقصى. وقد شرحت في تاريخ المفاوضات المصرية البريطانية كيف أن كرومر لم يخطر له على بال أن التسوية ستكون في النهاية مع شعب مصر.
ومن جهة أخرى بالنسبة للمغرب اضطرت فرنسا لأن تحتفظ للمغرب بسلطنته ممثلة لكيانه ووحدته؛ وجدت في هذا نفعا، وجدته يمكنها من استخدام أداة السلطنة لتيسير مهمة الحكم، ولكن كان في الوقت نفسه شيئا نود أن لو استطاعت الاستغناء عنه، فهو إذ يصلح أداة يصلح أيضا لأن يتزعم مقاومة وطنية.
وقد وجدت كل من إسبانيا وفرنسا في وجود السلطنة شيئا يضعف به مزاعم الفريق الآخر، فالجزء الذي تحكمه إسبانيا هو المنطقة الخليفية، هو من أرض السلطان، ينوب عنه فيه «خليفة» عنه، فليس لإسبانيا إلا إدارته، وإسبانيا من جهتها تستطيع هي أيضا أن تستخدم حقوق السلطنة لمنع فرنسا من سلب مركزها في الشمال، وهذا لم يمنع الدولتين من أن يشتركا في العمل إذا واجههما عدو واحد، كما حدث ضد مولاي عبد الكريم عندما تدخلت فرنسا حربيا لإنقاذ الإسبانيين.
وقد قامت الإدارة الفرنسية في المدة التي تلت إعلان الحماية بتجهيز المغرب بأجهزة الحياة الحديثة على نحو رائع حقا، وآفة هذا أن الإدارة الفرنسية غلب عليها شيئا فشيئا جعل هذه الأجهزة أداة العيش الكريم للنزلاء الأوروبيين وأداة الاستثمار الجيد للماليين الأوروبيين، وكرهت أن طمع أصحاب البلد في أكثر من فتات المائدة، فكانت سياسة القمع وإثارة الجماعات بعضها ضد البعض الآخر، وآخر مظهرها خلع السلطان محمد بن يوسف ونفيه.
وفي النهاية كانت المقاومة المغربية الرائعة وتسليم فرنسا بعودة السلطان لعرشه وإلغاء الحماية والاعتراف بالاستقلال، وهو - كما قلت في تونس - مقيد بقيود، وإزالة هذه القيود وتحرير الجزائر هما مسألة الوقت في المغرب كما في تونس.
أقطار ملحقة بالعالم العربي
لا نستطيع الآن إلا أن نشير إلى وجود أقطار عربية صلاتها بالعالم العربي في الوقت الحاضر ضعيفة لأسباب سياسية، وهذا الضعف أدى إلى توجيه تلك الأقطار نحو منابع أخرى للثقافة لا تمت للعروبة بصلة، كما أدى أيضا إلى تشجيع بقاء رطانات غير عربية لا تنفع متكلميها في تحصيل علم أو تفقه في دين.
Shafi da ba'a sani ba