بسم الله الرحمن الرحيم النازل على الخواطف بأكف الشوارق، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة يفتح بنانها أبواب المغالق، ويشرح بيانها نجاة المصدق الموافق، وأشهد أن محمد بن عبد الله رسوله أنبل الخلائق، وأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب تلوه في السوابق، وشرف الخلائق، وأن حبه برهان الأنساب اللواحق (1).
Shafi 51
وأن أولياءه من طينة (1) واحدة (2)
Shafi 52
السوامق (1)، وأن أعداءه حلفاء (2) مداحض المزالق، أخدان (3) البوائق (4)، بالأثر الصادق، عن أشرف ناطق صلى الله عليه وعلى آله صلاة يسفر فجرها عن الدوام المترادف، المتتابع، المتلاحق.
وبعد: فإن أبا عثمان الجاحظ صنف كتابه المسمى (بالرسالة العثمانية) ابتداء غير حامد لإله البرية، ولا معترف له بالربانية، ولا شاهد لنبيه بالرسالة الجلية، ولا لأهله وأصحابه بالمرتبة العلية، شاردا في بيداء هواه، سامدا (5) في ظلماء عماه.
زعم مخاصما شرف أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - بكلمات سردها، ولفظات زعم أنه شيدها، رادا على نفسه في تقريرات مناقب مولانا أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - سددها ومجدها، هازلا في مقام جاد، جاهلا في نظام استعداد، مادا في الأول باعه القصير إلى أعناق الكواكب، وذراعه الكسير إلى النجوم الثواقب.
Shafi 53
ولا غلاب وقد بذت (1) مفاخرنا * سوابق الجرد (2) للعلياء تستبق أواصر (3) حلقت في الجو أخمصها (4) * وبعدها شيم للشهب تعتنق أبت مفاخرة الأمثال لا مثل * لنا مدان روح العلى خلق فكيف يهضمنا فرع لغير على * ولا فروع لها مجد سما ورق يرى زخارفه خطفا لممتنع * كظامئ غاله في ظمئه غرق فشام (5) منها بروقا لا يحالفها * نصر ويكشف عن ديجورها (6) الفلق (7) كيما يعد بليغا جد ما لسن * والشمس في الجو لا يغتالها الغسق (8) فتنا بسؤددنا الغايات وائتلفت (9) * بدورنا في سماء الفخر تتسق فلا بليغ له في هضمنا طمع * ولا فصيح يحلي جيده الملق وقد كانت هذه الرسالة وصلت إلي قبل هذه الأوقات، وصدقني (10) عن الإيراد عليها حواجز المعارضات، وأنشدت بلسان المعتذر عن دحضها ونقضها صورة هذه الأبيات بعد كلمات:
وبعد فلو نصت (11) كتائب محرب (12) وبي رمق نصت إليه الكتائب
Shafi 54
ولكن (1) رمى عن قوسه مترفها * وقد قيدتني بالفتور النوائب على أنه عار على البدر كاملا * ببهجته تخفى النجوم الثواقب إذا احتج يبغي رفعة عن مدى الدجى * وقد سترت وجه النجوم الغياهب وعار على مجد اليراع إذا انبرى * يدافع على تفخيمه ويحارب تبين سيجلو الدهر نجمي مشرقا * إذا صافحت كف التراب الترائب وقال لسان حار في القول من لها * وتطرى ذا جن الظلام الكواكب * * * وبعد ذلك، احضر الولد عبد الكريم (2) - أبقاه الله - النسخة بعينها
Shafi 55
وشرع يقرأ علي شيئا منها، فأجج مني نارا أخمدتها الحوائل، و (1) عيون قول أجمدتها القواطع النوازل...
عزائم منا لا يبوخ (2) اضطرامها * إذا البغي سلت للقاء مضاربه نجلي (3) بها من كل خطب ظلامه * ويشقى بها نجد نجيب نحاربه (4) فكيف إذا لم نلق خصما تهزه * عزائم في أقصى الحضيض كواكبه هذا، وإن كانت جدود المزاج (5) منوطة بالكلال، وفجاج الفراغ مربوطة بحرج المجال، لكن الصانع إذا اهتم كاد يجعل آثاره في أعضاء مهجته،
Shafi 56
وزايل الإغضاء (1) عن رحمة نقيبته، وبتلك المواد الضعيفة قد عزمت على رمي (عمرو) بنبال الصواب، وإن كان بناؤه ملتحفا لذاته بالخراب، فليس للراد عليه فضيلة استنباط عيون الألباب، بل العاجز مشكور على النهوض إلى مبارزة ضعيف الذباب (2) فأقول:
إنه عرض لي مع صاحب الرسالة نوع كلفة قد لا يحصل مثلها لنقض نقض كتاب (المشجر) مع عظماء المعتزلة، كالجبائي (3) وأعيان من جماعته، وأبي الحسين البصري (4) في الرد على السيد المرتضى (5) - وهو الحاذق المبرز في صناعته - إذ هاتيك المباحث يجتمع لها العقل فيصادمها صدام الكتائب، ويصارمها صرام فوارس المقانب (6)، وهذه المباحث مهينة،
Shafi 57
فإن أهملها الباحث استظهرت عليه، وإن صمد لها رآها دون العزم الناهض فيما يقصد إليه تهوين منعت منه الحكمة والاعتبار، واستعداد يخالطه التصغير والاحتقار، فالقريحة معه - إذن - بين متجاذبين ضدين، ومتداعيين (1) حربين، وذلك مادة العناء وجادة الشقاء.
وليس العلى في منهل لذ شربه * ولكن بتتويج الجباه المتاعبا مزايا لها في الهاشميين منزل * يجاوز معناها النجوم الثواقبا إذا ما امتطى بطن اليراع أكفهم * كفى غربه (2) سمر القنا والقواضبا وأقول: إنك إذا تأملت تقرير قواعد كتاب الجاحظ، رأيته مبنيا على الباطل، إذ (3) سمى فرقة بالعثمانية، ثم جعل ينطق بغير الصواب عنها ملقحا (4) الفتن بينها وبين الفرقة " الإمامية "، متعديا قواعد " الحرورية " (5).
شرع يقرر إسلام أبي بكر وتقديمه على إسلام أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - إذا كان إسلام علي - عليه السلام - لا عبرة به لصغره، وإن كان أول. هذا ظاهر في كلامه (6) وسوف أنازله إن شاء الله في ورده وصدره مقدما على ذلك أبياتا تليق بهذه المقامات، وتلتحق بها التحاق النجوم بالسماوات،
Shafi 58
فأقول:
رميت أبا عثمان نفسك ضلة * بسهم متى يرشق يذقك المتألفا تريد انتقاصا للنجوم ترفعت * بعزم تخوم (1) تبتغي النجم خاطفا زللت (2) وغرتك الدنا غير ناصح * لنفسك للكأس الوبيئة راشفا بكف لها من هاشم أي معصم * يفل بها يوم الزحام (3) المزاحفا إذا قصدت منها البنان مغاورا (4) * غدا عزمه من مأزم (5) الحرب صادفا فلا فئة تحمي الشريد وقد جرى * طريدا يضم الحتف منه المعاطفا (6) مواقف لم يدرس على الدهر رسمها * هزمنا بها يوم اللقاء المواقفا زعم الناصب أبو عثمان: أن الناس اختلفوا في إسلام أمير المؤمنين عليه السلام، فقال المكثر: إنه أسلم وله تسع سنين، وزعم المقلل: أنه أسلم وله خمس سنين (7)، وقال الناصب في ذلك غير الحق، فإن كان ما عرف فهو جد جاهل بالسيرة، ذو إقدام على القول من تلقاء نفسه، وإن كان عرف، فهو جد جاهل بالسيرة، ذو إقدام على القول من تلقاء نفسه، وإن كان عرف وقال غير ما عرف فهو كذب صريح، دال على العصبية على أمير المؤمنين - عليه السلام -، وبغضه كفر بالنقل المعتبر.
بيان الأول:
ما رواه الشيخ الفاضل، الكبير، المعظم، العارف، الحافظ، الخبير، الناقد، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري،
Shafi 59
الشاطبي (1) وهو غير متهم ونقلته من كتابي الذي اخترته منه، قال:
أخبرنا أبو القاسم خلف بن قاسم بن سهل - رحمه الله -، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن إسماعيل الطوسي، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم السراج، قال: حدثنا محمد بن مسعود، قال:
حدثنا عبد الرزاق، (قال) (2): حدثنا معمر، عن قتادة، عن الحسن قال:
أسلم علي - وهو أول من أسلم - وهو ابن خمس (3) عشرة سنة أو ست عشرة سنة (4).
Shafi 60
قال وضاح (1): ما رأيت أحدا قط أعلم بالحديث من محمد بن مسعود، ولا (2) بالرأي من سحنون (3).
وذكر المشار إليه قبل هذا ما صورته:
قال الحسن الحلواني (4): وحدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر عن قتادة، عن الحسن، قال أسلم علي وهو ابن خمس عشرة سنة (5).
وقال: عن ابن إسحاق، أول ذكر آمن بالله ورسوله علي بن أبي طالب وهو يومئذ ابن عشر سنين (6).
قال أبو عمر: قيل أسلم علي وهو ابن ثلاث عشرة سنة، [وقيل: ابن اثنتي عشرة سنة، (وقيل: ابن خمس عشرة سنة) (7)]، (8) وقيل: ابن ست عشرة سنة، وقيل: ابن عشر.
Shafi 61
وقيل: ابن ثمان (1).
وذكر عمر بن شبة، عن ابن المدائني (2) عن ابن جعدبة (3)، عن نافع، عن ابن عمر، قال: أسلم علي وهو ابن ثلاث عشرة سنة. قال:
وذكر أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثنا سريج بن النعمان، قال: حدثنا الوليد (4) بن السائب، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر، قال: أسلم علي بن أبي طالب وهو ابن ثلاث عشرة سنة وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة.
قال أبو عمر: هذا أصح ما قيل في ذلك، وقد روي عن ابن عمر من وجهين جيدين (5).
وأما بيان الوجه الثاني من كون بغضته (6) كفرا، فيدل عليه:
ما رواه أحمد بن حنبل عن مسافر (7) الحميري، عن أبيه (8)، عن أم سلمة، تقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله - يقول لعلي - عليه السلام -: لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق (9).
Shafi 62
ومن الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدري من سنن أبي داود، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: إنا كنا لنعرف المنافقين ببغضهم علي ابن أبي طالب - صلوات الله عليه - (1).
Shafi 63
ومن الكتاب أيضا من صحيح البخاري بحذف الإسناد، قالت أم سلمة، قال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم: لا يحب عليا منافق ولا يبغضه مؤمن (1).
* * *
Shafi 64
ومن مسند ابن حنبل (1) في جملة حديث عن النبي عليه السلام (2) في علي بن أبي طالب، لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، في غير ذلك من آثار عدة تركت إثباتها، إذ نحن في غير هذه المباحث.
وذكر ما حاصله:
(إن إسلامه مع قلة العمر تلقين القيم، ورياضة السائس، وعبد أن يكون في ذلك السن (3) هو تام العقل) (4).
وهي عصبية منه لا تستند إلى برهان، وإنما دأب الناصب تكثير الألفاظ مع قلة الحاصل منها وصدود (5) الحق عنها.
وادعى أنه يعلم أن طباعه كطباع حمزة (6)، غير مسند (7) ذلك إلى أمارة
Shafi 65
فضلا عن دليل.
وتعلق بأن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يدع ذلك (1).
والذي يرد على قول الناصب:
إن أبا عمرو المغربي الشاطبي قال: إن النبي عليه السلام قال عن علي، إنه أول أصحابي إسلاما (2)، فلو كان تلقينا لا مزية له في ذلك على غيره لما مدحه النبي عليه السلام بذلك.
وروى ذلك في إسناد متصل عن سلمان عن النبي عليه السلام (3) وأما أن عليا (ما تمدح (4) بوفور العقل وسداد الرأي المقررين (5) شرف إسلامه) (6) فيكفي في ذلك قوله - عليه السلام - متمدحا: إني أول من صلى
Shafi 66
مع رسول الله - صلى الله عليه وآله - (1).
Shafi 67
[وروى المشار إليه: إن النبي عليه السلام] (1) استنبئ يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء (2).
إذا عرفت هذا فتمدحه بالإسلام ينبئ أنه كان يرى ذلك فخرا تماما، وشرفا باذخا. ولو كان على سبيل التلقين تقليدا، غير بان له على قاعدة
Shafi 68
لذهب معنى التمدح به، وفي ذلك رد على الناصب.
وتعلق الناصب في كون إسلام أمير المؤمنين عليه السلام ما كان فرعا لتمام آرائه (1) وهو صبي، بأنه (لو كان كذلك لاحتج به) (2).
وذكر فنونا تجري في هذا الباب غثة (3)، ساقطة، ألفاظا (4) سمينة جدا (5)، هزيلة المعنى جدا، يسأمها اللبيب، ويعافها الأريب، ولولا أنه لا يليق بمن دخل في أمر أن يتعاجز عنه لرأيت ترك الخوض في هذا الوشل (6) المهين أولى من الدخول فيه، وأيضا فإن الخصم [و] (7) ذا الذهن الغال (8) قد يؤثر عنده كلام الهازل، ويقرر عنده قواعد الباطل.
والجواب عما قال:
بما أن من أعيان الصحابة من كان يناظر رسول الله - صلى الله عليه وآله - فيما يأمر به، ويرد عليه وهو حي بين أظهرهم، في عز رئاسة ينافس عليها، وإمامة يسارع إليها، فكيف يؤثر قول علي - عليه السلام - بعده، في شئ، حاصله الدفع عن مراتب الملك وتسنم درجات العز؟
ونتنزل (9) عن هذا ونقول للناصب:
وأنت بالآخرة معرض عن موالاة أمير المؤمنين - عليه السلام - وموآزرته
Shafi 69
مع كون الانحراف عنه كفرا.
وبعد: فإن أبلغ ما كان يقول أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - (1) [في مدح فطنته وطباعه] (2): إني كنت أيام الصبوة صحيح الذهن، مقوم الفطنة، وأي وازع (3) هذا للخصم عن مخاصمته (4) على الملك، ومصادمته عن مراتب المجد،؟ بل لو ذكر هذا، كان بمقام الطرد له عن الرئاسة، والدفع له عن الإمامة، إذ هو تعلق غث، يضع المتعلق به، ويهبط درجات المتمسك بهديه.
قال الناصب: (ولو أن عليا كان أيضا بالغا لكان إسلام زيد (5) وخباب (6) أفضل من إسلامه، لأن الرجلين تركا المألوف وعلي نشأ على
Shafi 70