Bila Quyud
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Nau'ikan
تميل كل الرئيسيات - بما في ذلك البشر - إلى التصرف بخضوع مع من يكبرونها سنا وبسيطرة مع صغارها، وتميل في الوقت نفسه إلى الصراع والتناحر من أجل الهيمنة مع من يماثلونها مكانة، ولا سيما الأفراد من الفئة العمرية نفسها. تشتد هذه الصراعات من أجل السيطرة لا سيما خلال المراهقة والمرحلة المبكرة من البلوغ، مع تأسيس السلاسل الهرمية الاجتماعية للجيل حديث النضج . تقع أخطر هذه الصراعات من أجل السيطرة حين يهدد وضع الذكر المسيطر المتقدم في السن فردا أصغر منه سنا وأقوى منه بنيانا؛ مما يقلب ويزعزع مؤقتا التسلسل الهرمي الاجتماعي المعروف والمألوف الذي ظل قائما لشهور أو سنوات حتى ذلك الوقت.
رغم أنه قد يبدو من المستغرب ظاهريا أن توصف سلوكيات هرمية مثل السيطرة والخضوع بأنها نوع من الترابط، فالحقيقة أن هذه العلاقات الهرمية غالبا ما تكون مستقرة وطويلة الأمد على نحو بالغ. تشيع التسلسلات الهرمية الاجتماعية بين أنواع الحيوانات التي تعيش في مجموعات؛ لأنها تقلل من المشاحنات بين أعضاء المجموعة، كما توفر آلية تسمح للمجموعة كلها باتخاذ إجراء موحد عند الضرورة.
وتماما مثلما تتنافس السعادين والقردة من أجل السيادة والمنزلة الاجتماعية في تسلسلاتها الهرمية الخاصة، نحن البشر نتنافس أيضا من أجل السيادة والمنزلة الاجتماعية داخل تسلسلاتنا الهرمية في مجالات الفن والعلوم والتقنية والتجارة والحكم والموضة والترفيه والرياضة، لكن بينما يتغير اللاعبون تبقى اللعبة كما هي: تسلسل هرمي اجتماعي مستقر؛ حيث يكون لكل فرد مرتبة معينة، وحيث لا تتواتر المعارك المصيرية، وحيث يعرف الفائزون والخاسرون منازلهم، ويظلون في أماكنهم، لكن مع بقائهم مترقبين لفرصة الارتقاء في التسلسل الهرمي الذي ينتمون إليه.
المجتمع الانقسامي الاندماجي
ثمة نمط مميز بشدة من البناء الاجتماعي المعهود لدى أنواع معينة من الرئيسيات - نمط يشيع بوجه خاص في المجتمعات البشرية، وقد طوره البشر لدرجة كبيرة - يسمى المجتمع الانقسامي الاندماجي؛ ففي هذه الأنواع تنزع الجماعة النشطة إلى التنوع في الحجم والبنية من ساعة لأخرى، ومن يوم لآخر، ومن موسم لآخر. يتفرق المجتمع الانقسامي الاندماجي (في مرحلة الانقسام) إلى أفراد ومجموعات أصغر تنتشر في أنحاء موطنها في أوقات معينة من اليوم، أو في مواسم معينة من السنة، ثم تجتمع معا (في مرحلة الاندماج) في موقع واحد في أوقات أخرى لتكون مجموعة واحدة كبيرة جدا. هذا النمط من المجتمع مألوف بين ثلاثة أنواع من الرئيسيات: (1) السعادين التي تكيفت على العيش على الأرض. (2) والقردة الأكثر قربا لفصيلة أشباه البشر، وخاصة الشمبانزي والبونوبو. (3) والبشر .
في المجتمع الانقسامي الاندماجي كثيرا ما يقضي أفراد المجموعة ساعات النهار منتشرين في أرجاء أراضي موطنهم؛ إذ ينطلق كل فرد أو مجموعة صغيرة سعيا وراء نوع معين من الغذاء النباتي أو الحيواني في الصباح، وبعد ذلك يعود الجميع إلى مقرهم مع اقتراب اليوم من النهاية، مجتمعين التماسا للأمان في أشجار النوم أو المنحدرات أو (في حالة البشر) مواقع التخييم والمساكن. ورغم الاختلافات المتعددة بين المجتمعات البشرية في التنظيم الاجتماعي، فإنها كلها تبدي النمط نفسه من السلوك الانقسامي الاندماجي. استمرار هذا النمط واضح تماما في مجتمعنا، حيث ينتشر أفراد الأسرة عادة كل في وجهته المستقلة خلال النهار، ثم يجتمعون نهاية النهار لتناول الطعام والنوم معا في مسكن واحد مشترك.
ومن المحتمل أنه نظرا لأن تركيب المجموعات المختلفة يتغير باستمرار - إذ يتكون كل منها من خليط مختلف من الأفراد الملائمين لوقت من اليوم أو لفصل من السنة - تكون الأنواع التي تمارس هذا النمط الانقسامي الاندماجي أيضا أكثر عرضة للتفاعل بل والامتزاج بمجموعات أخرى من حيز حيوي آخر. تشتهر قردة الشمبانزي بالمناسبات الدورية التي تمارس فيها مجموعتان منفصلتان ومستقلتان نوعا من الاندماج المؤقت وتختلطان كمجموعة واحدة لساعات في كل مرة، فيتفاعل أفراد المجموعتين في حماسة بالغة، ويستعرض الذكور في كل مجموعة مظاهر الهيمنة: بالصياح والصراخ والاندفاع في الأنحاء، وأحيانا بكسر فروع الأشجار والتلويح بها في شراسة أثناء استعراضها. وبعد فترة تفتر الحماسة، ويتفرق أفراد المجموعتين المختلفتين، ويجتمع أفراد المجموعتين الأصليتين من جديد، وتمضي كل مجموعة من المجموعتين إلى حال سبيلها.
ولا تؤدي استعراضات الهيمنة وظيفة تحذير الذكور الآخرين فحسب، وإنما تستخدم أيضا وسيلة لجذب الإناث النشطات جنسيا من المجموعة الأخرى، على أمل إقامة علاقات جنسية مع واحدة منهن. وحين تحدث هذه العلاقات بالفعل قد تستمر حتى بعد أن تجتمع المجموعات الأصلية مجددا وترحل في وجهاتها المختلفة؛ مما يؤدي إلى رحيل الإناث الأصغر سنا الأقل مقاما عن المجموعة التي ولدن فيها للانضمام إلى أزواجهن الجدد في المجموعة الجديدة. وهذه سنة أصيلة في التزاوج بين الرئيسيات تسمى «تزاوج الأباعد» الذي سيناقش لاحقا في هذا الفصل.
الإنويت أو الإسكيمو الذين عاشوا في شمال الدائرة القطبية الشمالية، دأبوا على قضاء صيف القطب الشمالي القصير في البحث عن بيض الطيور والتوت والطرائد الصغيرة في مجموعات أسرية صغيرة متفرقة على مساحات واسعة في أرجاء أراضي التندرا الرخوة، لكن في الشتاء كثيرا ما كان يتطلب صيد الطرائد الكبيرة مثل الوعل والفقمة والفظ التعاون بين أسر عدة. خلال هذا الوقت من العام كان الإنويت يبنون أكواخا جليدية متلاصقة في موقع محمي، مقيمين مخيمات شتوية تضم العشرات أو المئات من الناس الذين كانوا كثيرا ما يجتمعون معا للقيل والقال، ومشاركة الخبرات، ورواية الحكايات الشعبية المتوارثة، وممارسة الطقوس التقليدية لأسلافهم.
كانت قبائل البوشمان - الصيادون وجامعو الثمار في صحراء كالاهاري بأفريقيا الاستوائية - تنتشر في مجموعات أسرية على مساحات شاسعة خلال موسم الأمطار، حين تتوفر المياه ويسهل العثور عليها، لكن خلال موسم الجفاف كانت تلك القبائل تتجمع في مخيمات تضم عشرات الأسر، حيث تستقر بعضها بالقرب من بعض في جوار ينابيع الماء الدائمة القليلة، ويقضي أفراد كل أسرة الوقت في التفاعل مع أفراد الأسر الأخرى، بينما ينتظرون هطول الأمطار مجددا.
Shafi da ba'a sani ba