Bila Quyud
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Nau'ikan
الأدوات والعادات والأمومة والحروب والوطن
لا بد أن نقر أن الإنسان بكل صفاته النبيلة ما زال يحمل في تكوينه بصمة أصله الوضيع المتعذر محوها.
تشارلز داروين، «نشأة الإنسان»
حين طرح تشارلز داروين لأول مرة الفكرة القائلة بأن الجنس البشري تطور من سلف شبيه للقردة، قوبل بصيحات السخط من رجال الدين والعامة والكثير من علماء ومثقفي عصره؛ فرغم كل أوجه الشبه الملحوظة بين الجسد البشري وأجساد السعادين والقردة ، فقد صور داروين مهرطقا ناقضت نظرياته قصة الخلق في الإنجيل، بل والاعتقاد الشائع بأن الجنس البشري أكثر تميزا بكثير من أن ينشأ من «أصل وضيع» مثل هذا، إلا أنه عند وفاته كانت نظريات داروين عن التطور قد صارت مقبولة بصورة كبيرة، ومنذ عصره وعلماء الحفريات وعلماء الوراثة يدللون على الارتباط بين البشر وقردة ما قبل التاريخ بإسهاب ودقة لم يكن داروين نفسه ليتخيلهما (انظر شكل
1-1 ).
شكل 1-1: رسمة كرتونية شهيرة من العصر الفيكتوري نشرت في «ذا هورنيت»، المجلة الإنجليزية الساخرة، حيث صور تشارلز داروين على شكل «إنسان غاب موقر».
قد يرتبط البشر بالقردة والسعادين بمعنى اشتراكهم في النسب نفسه، لكن البشر متفردون في عدة طرق تفصلهم دون شك ليس عن الرئيسيات فقط، لكن عن أشكال الحياة الأخرى كذلك. يستكشف الجانب الأكبر من هذا الكتاب التغيرات القائمة على التقنية، والتي حولتنا تدريجيا إلى ما هو أكثر من مجرد نوع حيواني آخر، لكن حتى نفهم التعقيدات الغريبة في مجتمع البشر وثقافتهم، علينا أن نبدأ باستيعاب منطلق الرئيسيات؛ تشريح السعادين والقردة وسلوكهما. كان هذان بمثابة نقطتي الانطلاق الوراثية، المواد الخام الطبيعية، التي تطور منها تشريح البشر وسلوكهم الفريدان. بفهم طبيعة لبنات البناء التطورية هذه نستطيع أن نقدر بالتمام كم من مشوار التطور قد قطعنا وما مقدار ما تبقى منه.
بصمة انحدارنا من الرئيسيات واضحة في كل جانب من جوانب تشريح الإنسان؛ فلقد تطورت يد الإنسان بسبب حاجته إلى الإمساك بفروع الأشجار بقبضة قوية ومحكمة، وتطورت كتف الإنسان التي تسمح للذراع بالدوران لتصل إلى وضع قائم تماما من حاجته للتدلي من الفروع العلوية بالذراعين. أما قدم الإنسان التي تكيفت على نحو جميل للسير والركض على ساقين على أرض منبسطة، فقد كانت في الأصل «يدا» قابضة كانت مهمتها تسلق الأشجار.
أما وجه الإنسان، بعيدا عن فمه الصغير نسبيا وجبهته العالية، فهو وجه نموذجي من وجوه الرئيسيات؛ فهو يخلو من الشعر حول العينين والأذنين والأنف والفم، مع حاجبين بارزين.
1
Shafi da ba'a sani ba