وجدان الحاسة وإحساس الغريزة، ويشتهيه الفتيان كما يشتهيه الشيوخ، ويشتهيه الفاتك كما يشتهيه الناسك، ويشتهيه اللاعب ذو اللهو كما يشتهيه المجدّ ذو الحزم، ويشتهيه الغفل كما يشتهيه الأريب، ويشتهيه الغبي كما يشتهيه الفطن» .
تتمثل الناحية العلمية في الكتاب بالوصف المسهب لطباع البغل ومنافعه. إن البغل نتاج مركب من العير والفرس وقد ورث عن أبويه خصائصهما المميزة على التساوي، فأخذ عن الخيل السرعة وشكل العنق والصدر، وأخذ عن العير القدرة على العمل والصبر وصلابة الحافر. ولكن البغل لا يعيش له نسل، وهو أطول عمرا من جميع الحيوانات الأليفة. وإذا حرن البغل أو غضب صرع راكبه. وقد جمع أحدهم مساوىء «البغل» في قوله: «لا لحم ولا لبن؛ ولا أدب ولا لقن، ولا فوت ولا طلب، إن كان فحلا قتل صاحبه، وإن كانت انثى لم تنسل ... والبغلة والبغل يعتيريهما من الشبق ما لا يعتري أناث السنانير، ثم هي مع ذلك لا تتلاقح، فإن لقحت في الندرة أخدجت» أي جاء ولدها ناقصا.
ومع ذلك كلف الأشراف بها فاقتنوها لكثرة منافعها وتنوع الإرتفاق بها وقالوا فيها أنها «نزلت عن خيلاء الخيل وارتفعت عن ذلة العير، وخير الأمور أوساطها» . وهي خير الحيوانات والأثقال؛ وسيرها أعدل واقصد من سواها. وكانت تستعمل للبريد. وكان الرسول يركب بغلة شهباء، وكان لعثمان بغلة بيضاء، وكان هشام بن عبد الملك أكثر الناس ركوبا لها.
وبما أن البغل نتاج مركب نلفي الجاحظ يتوقف عند هذه الظاهرة ويمعن النظر فيها محاولا استجلاء حقيقتها. فيلاحظ أن البغل ليس سوى حالة من النتاج المركب وأن ثمة حالات أخرى يذكرها منها الدجاج
1 / 7