14

Farkon Mai Iya Kokari

بداية المجتهد ونهاية المقتصد

Bincike

فريد عبد العزيز الجندي

Mai Buga Littafi

دار الحديث

Shekarar Bugawa

1425 AH

Inda aka buga

القاهرة

قَوْمٌ: بَلْ طَهَارَتُهُمَا تَجُوزُ بِالنَّوْعَيْنِ: الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ، وَأَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِ، وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمُ الْقِرَاءَتَانِ الْمَشْهُورَتَانِ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ: أَعْنِي قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ (وَأَرْجُلَكُمْ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْمَغْسُولِ، وَقِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ: (وَأَرْجُلِكُمْ) بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى الْمَمْسُوحِ، وَذَلِكَ أَنَّ قِرَاءَةَ النَّصْبِ ظَاهِرَةٌ فِي الْغَسْلِ، وَقِرَاءَةَ الْخَفْضِ ظَاهِرَةٌ فِي الْمَسْحِ كَظُهُورِ تِلْكَ فِي الْغَسْلِ، فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ فَرْضَهُمَا وَاحِدٌ مِنْ هَاتَيْنِ الطَّهَارَتَيْنِ عَلَى التَّعْيِينِ إِمَّا الْغَسْلُ وَإِمَّا الْمَسْحُ ذَهَبَ إِلَى تَرْجِيحِ ظَاهِرِ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ، وَصَرَفَ بِالتَّأْوِيلِ ظَاهِرَ الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى مَعْنَى ظَاهِرِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي تَرَجَّحَتْ عِنْدَهُ. وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ دَلَالَةَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهَا عَلَى السَّوَاءِ، وَأَنَّهُ لَيْسَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى ظَاهِرِهَا أَدَلَّ مِنَ الثَّانِيَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا أَيْضًا جَعَلَ ذَلِكَ مِنَ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَدَاوُدُ. وَلِلْجُمْهُورِ تَأْوِيلَاتٌ فِي قِرَاءَةِ الْخَفْضِ، أَجْوَدُهَا أَنَّ ذَلِكَ عَطْفٌ عَلَى اللَّفْظِ لَا عَلَى الْمَعْنَى، إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِثْلَ قَوْلِ الشَّاعِرِ: لَعِبَ الزَّمَانُ بِهَا وَغَيَّرَهَا ... بَعْدِي سَوَافِي الْمُورِ وَالْقَطْرِ بِالْخَفْضِ، وَلَوْ عَطَفَ عَلَى الْمَعْنَى لَرَفَعَ " الْقَطْرِ ". وَأَمَّا الْفَرِيقُ الثَّانِي، وَهُمُ الَّذِينَ أَوْجَبُوا الْمَسْحَ، فَإِنَّهُمْ تَأَوَّلُوا قِرَاءَةَ النَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا عَطْفٌ عَلَى الْمَوْضِعِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: فَلَسْنَا بِالْجِبَالِ وَلَا الْحَدِيدَا وَقَدْ رَجَّحَ الْجُمْهُورُ قِرَاءَتَهُمْ هَذِهِ بِالثَّابِتِ عَنْهُ ﵊ إِذْ قَالَ فِي قَوْمٍ لَمْ يَسْتَوْفُوا غَسْلَ أَقْدَامِهِمْ فِي الْوُضُوءِ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» قَالُوا: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغَسْلَ هُوَ الْفَرْضُ ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِتَرْكِهِ الْعِقَابُ، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَقَعَ الْوَعِيدُ عَلَى أَنَّهُمْ تَرَكُوا أَعْقَابَهُمْ دُونَ غَسْلٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي الْغَسْلِ فَفَرْضُهُ الْغَسْلُ فِي جَمِيعِ الْقَدَمِ، كَمَا أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي الْمَسْحِ فَفَرْضُهُ الْمَسْحُ عِنْدَ مَنْ يُخَيِّرُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا جَاءَ فِي أَثَرٍ آخَرَ خَرَّجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ أَنَّهُ قَالَ: فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَنَادَى: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» وَهَذَا الْأَثَرُ وَإِنْ كَانَتِ الْعَادَةُ قَدْ جَرَتْ بِالِاحْتِجَاجِ بِهِ فِي مَنْعِ الْمَسْحِ، فَهُوَ أَدَلُّ عَلَى جَوَازِهِ مِنْهُ عَلَى مَنْعِهِ ; لِأَنَّ الْوَعِيدَ إِنَّمَا تَعَلَّقَ فِيهِ بِتَرْكِ التَّعْمِيمِ لَا بِنَوْعِ الطَّهَارَةِ، بَلْ سَكَتَ عَنْ نَوْعِهَا، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهَا. وَجَوَازُ الْمَسْحِ هُوَ أَيْضًا مَرْوِيٌّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَكِنْ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى، وَالْغَسْلُ أَشَدُّ مُنَاسَبَةً لِلْقَدَمَيْنِ مِنَ الْمَسْحِ كَمَا أَنَّ الْمَسْحَ أَشَدُّ مُنَاسَبَةً لِلرَّأْسِ مِنَ

1 / 22