وأزاحه عن سبيله بحركة غليظة، واتجه صوب مائدة يجلس إليها نفر من الأفندية فألقى عليهم نظرة وحشية، وقال بلهجة آمرة: أخلوا هذه المائدة!
ولم يسع الأفندية إلا أن ينهضوا صامتين وغادروا القهوة، فجلس الزنجي على كرسي وطرح ساقيه على كرسي آخر، وهو يتفرس في الوجوه بتحد وقحة، واقترب صبي القهوة من الأستاذ علي صبري، وهمس في أذنه قائلا: محروس الزنجي، فتوة رهيب يعرفه الحي كله.
فسأله الأستاذ بقلق: ترى هل يمكث طويلا! - إنه يرتاد ما يشاء من القهوات فيأكل ويشرب، دون أن يجرؤ أحد على مطالبته بثمن شيء مما يلتهمه، ولعله جاء ليعرفك بنفسه، أو لعل ...
وتردد الغلام قليلا، فحثه الأستاذ قائلا: تكلم. - لعل أحد أصحاب المقاهي في الدرب اتفق معه على تخريب قهوتنا!
واختلس علي صبري نظرة من الزنجي فرآه كالنائم، آمنا مطمئنا كأنه في بيته، وقد أخلى الزبائن الموائد القريبة منه، فانقبض قلبه خوفا وإشفاقا، ثم تراجع في سكون إلى منصة التخت حيث يجلس حسن مع بقية الأفراد، وأومأ إليه، ثم انتحى به وراء المقصف، وأسر إليه ما قال الغلام ثم سأله: ألا يحسن بنا أن نستدعي المعلمة زينب الخنفاء لتعالج هذه المصيبة بحكمتها؟
فقال حسن وهو يتفحص عن بعد الزنجي محروس: لا أوافق على أن تستغيث بامرأة. لن تجدي هذه السياسة في هذا الدرب؛ دع الأمر لي. - يقولون إنه فتوة شديد البأس.
فابتسم حسن قائلا: هذا ما يقال عني أيضا، ولكن أهل الدرب لا يعلمون، دع الأمر لي.
وخطر له خاطر فقال لنفسه ساخرا: «ليست أمي وحدها التي تكابد من حياتها المر في سبيل العيش!» ثم قال للأستاذ: ستكون معركة شديدة، لكن هيهات أن يكون لنا عيش هنا بلا معركة ظافرة! - وإذا لم تكن ظافرة! - اعتمد على الله وعلي.
لن يفر من المعركة مهما تكن النتيجة، وهل من سبيل إلى رفع مكانته عند الأستاذ وفي الحي كله إذا تفادى من هذه المعركة؟ ولعل علي صبري على حق في تخوفه؛ فالقهوة قهوته والمال ماله، ولكن مستقبله هو يتوقف على نتيجة هذه المعركة، وفي سبيل هذا فليذهب علي صبري نفسه إلى الجحيم، ولا ينبغي أن ينسى إلى هذا كله فتيات زينب الخنفاء؛ فما من سبيل إليهن إلا بنصر إن آجلا أو عاجلا، فحظه في الحياة، وربما حظ أسرته المنهارة - خطرت له هذه الخاطرة كالمعنى المتداعي - يتوقفان على خوض المعركة.
وتحرك الزنجي محروس وهو يتمطى ويتجشأ، ثم صاح بوحشية: أين الكونياك القذر الذي حدثونا عنه كثيرا؟!
Shafi da ba'a sani ba