فابتل صدره المحترق وهتف برجاء: أحب أن أسمعها بأذني ... - لا تكلفني ما لا أطيق!
فتنهد بدوره في شبه يأس، ثم قال بلين: إن أعياك الكلام، فلن تعييك قبلة. - يا خبر أسود ... - يا خبر وردي كالشهد! من غير هذه القبلة أموت كمدا. - إذن فليرحمك الله! - لا تطيقينها أيضا؟! لن تكلفك شيئا. ابقي كما أنت ثم أتقدم خطوة وأضع شفتي على شفتيك فتكون الحياة التي ما بعدها حياة ... - أو الفراق الذي ليس بعده تلاق! - بهية! - أفندم! - أنت لا تعنين ما تقولين ... - أعني ما أقول تماما. - ولكنها قبلة وليست جريمة! - جريمة في نظري. - ما سمعت هذا قبل الآن.
فتفكرت قليلا ثم تمتمت: ولكني سمعته كثيرا. - أين؟
فعاودها التفكير، وترددت مليا، ثم قالت بصراحة وسذاجة: ألم تقرأ ما تنشره الصباح عن فتيات مهجورات لاستهتارهن؟ ألا تسمع الراديو؟
ففغر فاه، وندت عنه ضحكة، ثم صاح: من يقول إن القبلة استهتار؟ ألم تقرئي ما قال المنفلوطي في القبلة وهو الشيخ المعمم؟ إنك تحرمين على نفسك ما أحل الحب الطاهر لنا. الصباح؟ .. الراديو؟ .. كلام فارغ!
فرمقته بريبة وحذر وقالت: لا تضحك مني، هو الحق، قالت أمي لي مرة «إن الفتاة التي تتشبه بالعشاق كما يظهرون في السينما فتاة ساقطة خائبة الأمل ...»
بنت الكلب! .. أهي التي قالت لك هذا؟ القصيرة الماكرة، أفسدتها علي وأفسدت حياتنا. إن الغيظ يقتلني. ماذا أفدت من الخطبة التي تجرعت بسببها تقريعا ولوما مرا؟! لا شيء، فتاتي عنيدة مجنونة، السبب أمها بنت الكلب «حمالة الحطب» وتساءل في يأس: أتأخذين نفسك بهذا التقشف حقا؟ - طبعا. - إذن هو حب اسمي فحسب؟ - ليكن.
وتفحصها بنظرة طويلة فرآها ثابتة عنيدة قوية. وجرى بصره مع عنقها الرقيق، وتخيل أصله المتواري تحت الفستان، والمنكبين، والصدر الناهد، فركبته عاطفة جامحة حارة، وأفلت زمامه من يده، فانقض عليها وهو يسدد ثغره صوب شفتيها. ولم تكن تتوقع انقضاضه فتقهقرت فزعة، وتلقته براحتيها ثم هتفت به لاهثة: حسنين، إياك ...
لمح في عينها غضبا يتقد فخمدت حدته، وارتد خجلا مرتبكا، فغمغمت: احذر أن أغير رأيي فيك ...
ثم استدركت في جزع: أظن آن لك أن تعود ...
Shafi da ba'a sani ba