174

Farko da Karshe

بداية ونهاية

Nau'ikan

ولكنه رفع جفنيه الثقيلتين، وقال بنبراته المضغوطة المتعبة: كلا، لا تخافوا، هذه ضربة تافهة.

ثم حاول أن يأخذ نفسا عميقا واستراح لحظة، ثم استدرك قائلا مغمض العينين: غدروا بي، الويل لهم! إن كان لي عمر فالويل لهم! ولكن لا تستدعوا طبيبا، الطبيب يبلغ البوليس.

فقال حسنين وكان لا يزال فريسة للنزاع الناشب من باطنه: لا بد من إحضار طبيب، وليس عسيرا أن نقنعه بتكتم الخبر.

وتوسلت إليه الأم قائلة: ارحمني يا حسن واقبل هذا.

فنفخ الرجل مغمغما في ضجر: ارحموني أنتم ودعوني في سلام .. أف!

وجعلت الأم تردد بصرها بينه وبين حسنين، ولكن الشاب من العناء في بلوى، برح الخفاء وتبين حقيقة مشاعره، فليس تألمه لأخيه بشيء يذكر إلى جانب الخوف الذي يلقي عليه ظلا ثقيلا من شبحه الجاثم؛ «قضي علينا، قلبي لا يكذبني على الأقل في الشر، قضي علينا في مصر الجديدة كما قضي علينا في شبرا، وسيطاردنا البوليس جميعا كالمجرمين! أكاد أرى بعيني رأسي المحموم الضابط وهو يفتش الحجرات، ويلقي القبض على المجرم الهارب، هل سدت منافذ الحياة؟! أتقول إنه أخي؟ أجل، إنه أخي، ولكنها حياتي التي تتحطم تحت قدميه في طريقه الوعرة. أف، لشد ما ضاق صدري!» ثم سمع أمه وهي تهتف به في يأس: أغثني يا حسنين! ألا ترى أنه يموت بين أيدينا! «كلا، لن يموت، أما أنا فإني أموت موتا بطيئا قاسيا، إن كرامتي تحتضر. وهبه مات حيث هو الآن فسيأتي طبيب للكشف عليه ثم يلحق به البوليس والنيابة، ولن يكون لهم سبيل على الجثة، ولكن ستفوح النتانة من البيت في هيئة فضيحة رائعة!» ثم حانت منه التفاتة إلى أمه وكانت تردد بين الراقد وبينه نظرة حائرة زائغة فزعة، ومع أنها كانت مطبقة الفم إلا أنه سمع لنظرتها تلك صرخة مدوية تمزق نياط القلب. وعجب لنفسه؛ فقد حقد عليها بادئ الأمر ثم خيل إليه أن ذكريات غامضة سريعة تطرق قلبه في لمح البصر فتخاذل وضعف، وعاد يركز بصره في العصابة الملوثة بالدم، واسترد قوة تفكيره، فخطر له خاطر باهر تمتم على أثره بلا وعي «كيف نسيت هذا؟» ثم قال مخاطبا أمه في عجلة: سأحضر طبيبا صديقا من مستشفى الجيش ، انتظري قليلا فلن أغيب طويلا.

وهرع إلى بدلته فلبسها متعجلا، وغادر البيت لا يلوي على شيء.

87

وقف حسنين مستندا إلى حافة النافذة، يراقب الطبيب وهو مكب على عمله الدقيق، وقد غادرت الأم والأخت الحجرة، ولبثتا وراء الباب المغلق لا يكاد يسمع تردد أنفاسهما، كان عابسا شديد التأثر، وتولاه الفزع، ثم أخذ يهدأ رويدا، ويغيب في أعماق نفسه، وكان قد أخبر الطبيب لدى مقابلته أن أخاه أصيب بجرح في رأسه عقب معركة مع أحد أفراد الأسرة ورجاه أن يسعفه مبديا له رغبته الحارة في تكتم الخبر حتى لا تخدش كرامة الأسرة بفضيحة عامة! ومضى الطبيب معه في تحفظ، ولما أجرى الكشف الابتدائي على رأس الجريح قال: كسر عميق، إلى ما استنزف من دم غزير، لا أدري ما وجه الحكمة في عدم إبلاغ البوليس؟!

فقال حسنين بتوسل: فلنتحاش هذا بأي ثمن!

Shafi da ba'a sani ba