ولكن حسنين هتف به في ضيق غلبه على أمره فجأة: أرجوك، أرجوك، لا تخف عني شيئا.
فقال الشاب عابسا من التحرج: أكره الخوض في الحرمات. - أختي؟! - قال إنها كانت تعمل لترتزق؟ - وقلت له غاضبا إن العمل الشريف لا يعيب أحدا، وإن الفقر ليس جريمة.
فهز حسنين رأسه في حرارة وردد قول صاحبه في سخرية أليمة: إن الفقر ليس جريمة! .. بديع! .. وماذا قال أيضا؟ - لا شيء.
حسبه! أخ قاطع طريق وأخت خ ... عاملة، هه؟ ويريد بعد هذا أن يتزوج من كريمة بك قد الدنيا!
قال البرديسي: أعتقد أن حسن الاختيار قد أخطأك في التقدم إلى هذه الأسرة العيابة.
فابتسم حسنين ابتسامة مريضة وتمتم: صدقت ...
ثم راح يقول لنفسه «إني غائص في الطين حتى قمة رأسي، ليس لهذه الحال من علاج إلا أن أدق عنق هذا الأحمد رأفت. ولكن هل يغير هذا من الواقع شيئا؟ كلا، إنه دفاع غير مجد بيد أنه لا يجوز أن تغيب عني حقيقة هامة؛ وهي أن اللكمة القوية لا تستطيع أن تنتزع الاحترام انتزاعا وتفرضه فرضا، إني قادر على هذا والحمد لله؛ فلا تنقصني الشجاعة أو القوة، كان حسن أحقرنا شأنا، ولكنه كان على ذلك أعظمنا احتراما، هذا درس ينتفع به.» ثم سمع صديقه يقول في عزاء: لا تكترث أكثر مما ينبغي.
فقال وهو يهز منكبيه متظاهرا بالاستهانة: نصيحة معقولة، ليس في أسرتنا ما يشين؛ كنا أغنياء في يوم ما، ثم دهمتنا أيام شداد فلاقيناها بشجاعة، حتى تغلبنا عليها، ليس في هذا ما يشين. - بل فيه من دواعي الفخار ما فيه.
فضرب الأرض فجأة بقدمه، وقال مستعر العينين من الغضب: ولكني أعرف كيف أؤدب من تحدثه نفسه بإهانتي. - هذا حق لا شك فيه.
وساد صمت مرهق بالتعب والألم، فلم يجد البرديسي خيرا من أن يطلب قدحين أخريين من الجعة، ثم تمتم مبتسما: ستجد إذا شئت من هي خير منها.
Shafi da ba'a sani ba