مريض! أيقظته هذه الكلمة من نشوة اللقاء، فشعر بالخوف يقبض قلبه، ولكنه قاوم الخوف بقوة الخوف نفسه، فضحك وقال: يؤسفني أنني أزعجتك يا أماه، ولكني ما كنت أطمع في هذه النتيجة السارة، وهي حضورك بنفسك!
وجعلت تتفحصه بعناية، بوجه ينم عن إشفاق ورحمة ثم قالت: ماذا بك يا بني؟ .. كيف حالك؟ .. حدثني عن مرضك؟!
وداخله ارتباك بذل قصاراه كي لا تلوح أماراته في وجهه. وكان واثقا من أن مظهره لا يشي بمرض، بل لم يكن يخفى عليه أن صحته تقدمت تقدما ملموسا منذ توظفه؛ لتحسن حالته الغذائية بصفة عامة، قال ببساطة: لا شيء ذا بال، أصبت بنزلة معوية حادة، ولكنها لم تلازمني أكثر من يوم وبعض يوم ...
فقالت وعيناها لا تتحولان عنه: لشد ما انزعجنا جميعا! خصوصا وأنك طمأنتنا على صحتك في خطابك الأسبق ...
ثم استدركت بعد وقفة قصيرة: وتوهمنا في الأمر خطورة، والعياذ بالله؛ لما رأينا من اضطرارك قطع نقود هذا الشهر عنا.
وشعر بمثل شكة الإبرة في نفسه، وقال بعجلة مبتسما ابتسامة باهتة: اضطررت إلى استدعاء طبيب وشراء أدوية، فأنفقت أكثر من جنيهين، وأنت تعلمين أنه ليس لدى احتياطي للطوارئ! - لا عليك من هذا؛ إني مسرورة لأني وجدتك في صحة جيدة، ويحسن بك أن تبعث برسالة في الحال إلى أخيك لتطمئنه هو ونفيسة اللذين تركتهما في أشد حالات القلق.
ثم ألقت نظرة متفحصة على حجرته، فعلق بصرها بالبدلة الجديدة على المشجب في خوف وقلق، وتهيأ عقله لاختلاق كذبة جديدة، ولكنها قالت: حجرتك نظيفة وأثاثها جيد، هلم أرني شقتك.
فضحك حسين قائلا: ليست شقتي إلا هذه الحجرة، وتوجد حجرة أخرى مغلقة؛ لعدم الحاجة إليها. - كأنك تستأجر حجرة بإيجار شقة! ألم يكن الفندق أفضل؟ - على العكس؛ فإن إيجارها ينقص عن الفندق خمسين قرشا. - أخبرتنا بأنك لم تحتج إلى خادم أفلا يتعبك تنظيفها؟ - كلا، هذا علي هين كما تعلمين!
فابتسمت ابتسامة خفيفة وقالت: يبدو لي أنك مرتاح ومسرور يا بني؛ ولذا فأنا سعيدة.
وخيل إليه أن الأزمة قد مرت بسلام، فقال بارتياح صادق: أنا السعيد يا أماه، وسأستأثر بك شهرا كاملا.
Shafi da ba'a sani ba