لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكًا وَهُدىً لِلْعالَمِينَ ٣: ٩٦ أَيْ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِعُمُومِ النَّاسِ لِلْبَرَكَةِ وَالْهُدَى الْبَيْتُ الَّذِي بِبَكَّةَ قِيلَ مَكَّةُ وَقِيلَ محل الكعبة (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) ٣: ٩٧ أَيْ عَلَى أَنَّهُ بِنَاءُ الْخَلِيلِ وَالِدِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ وَإِمَامِ الْحُنَفَاءِ مِنْ وَلَدِهِ الَّذِينَ يَقْتَدُونَ بِهِ وَيَتَمَسَّكُونَ بِسُنَّتِهِ وَلِهَذَا قَالَ (مَقامِ إِبْراهِيمَ) ٢: ١٢٥ أَيِ الْحَجَرُ الَّذِي كَانَ يَقِفُ عَلَيْهِ قَائِمًا لَمَّا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ عَنْ قَامَتِهِ فَوَضَعَ لَهُ وَلَدُهُ هَذَا الْحَجَرَ الْمَشْهُورَ لِيَرْتَفِعَ عَلَيْهِ لَمَّا تَعَالَى الْبِنَاءُ وَعَظُمَ الْفِنَاءُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الطَّوِيلِ. وَقَدْ كَانَ هَذَا الْحَجَرُ مُلْصَقًا بِحَائِطِ الْكَعْبَةِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ إِلَى أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ فَأَخَّرَهُ عَنِ البيت قليلا لئلا يشغل المصلين عِنْدَهُ الطَّائِفِينَ بِالْبَيْتِ وَاتَّبَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁ فِي هَذَا فَإِنَّهُ قَدْ وَافَقَهُ رَبُّهُ فِي أَشْيَاءَ مِنْهَا فِي قَوْلِهِ لِرَسُولِهِ ﷺ لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَاتَّخِذُوا من مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ٢: ١٢٥ وَقَدْ كَانَتْ آثَارُ قَدَمَيِ الْخَلِيلِ بَاقِيَةً فِي الصَّخْرَةِ إِلَى أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ قَالَ أَبُو طَالِبٍ فِي قَصِيدَتِهِ اللَّامِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ.
وَثَوْرٍ وَمَنْ أَرْسَى ثَبِيرًا مَكَانَهُ ... وَرَاقٍ لِبِرٍّ فِي حِرَاءَ وَنَازِلِ [١]
وَبِالْبَيْتِ حَقِّ الْبَيْتِ مِنْ بَطْنِ مَكَّةَ ... وباللَّه إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِغَافِلِ
وبالحجر المسود إذ يمسحونه ... إذ اكْتَنَفُوهُ بِالضُّحَى وَالْأَصَائِلِ
وَمَوْطِئُ إِبْرَاهِيمَ فِي الصَّخْرِ رَطْبَةٌ ... عَلَى قَدَمَيْهِ حَافِيًا غَيْرَ نَاعِلِ
يَعْنِي أَنَّ رِجْلَهُ الْكَرِيمَةَ غَاصَتْ فِي الصَّخْرَةِ فَصَارَتْ عَلَى قَدْرِ قَدَمِهِ حَافِيَةً لَا مُنْتَعِلَةً وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ ٢: ١٢٧ أَيْ فِي حَالِ قَوْلِهِمَا رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ٢: ١٢٧ فَهُمَا فِي غَايَةِ الْإِخْلَاصِ وَالطَّاعَةِ للَّه ﷿ وَهُمَا يَسْأَلَانِ مِنَ اللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنْهُمَا مَا هُمَا فِيهِ مِنَ الطَّاعَةِ الْعَظِيمَةِ وَالسَّعْيِ الْمَشْكُورِ (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمن ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ٢: ١٢٨