21 - هو أن لكل فرع من فروع الرياضة - كالحساب مثلا أو - الهندسة - ألفاظا أولية خاصة، أعني ألفاظا يقبلها المشتغلون بذلك الفرع من فروع الرياضة على أنها لا تحتاج إلى تعريف، وأنها هي التي بواسطتها يتم تعريف ما عداها من ألفاظ في ذلك الفرع، فتكون تلك الألفاظ الأولية اللامعرفة بمثابة نقطة الابتداء التي لا تسبقها خطوة وراءها، فكان الرأي إلى زمن قريب هو أن بعض المدركات الأولية في علم الحساب - وكان العدد من بين تلك المدركات الأولية - لا مناص من قبولها على أنها من البساطة في تكوينها والابتدائية في أسبقيتها، بحيث لا نحتاج في تعريفها إلى سواها، وبناء على ذلك لم ير الرياضيون ضرورة لتعريف العدد.
أما المناطقة الرياضيون فقد ذهبوا إلى غير ذلك في تحليلهم؛ إذ رأوا أن الرياضة البحتة بكافة فروعها تشترك في مجموعة واحدة من اللامعرفات الأولية، وأن هذه اللامعرفات الأولية إن هي إلا المدركات الرئيسية في علم المنطق، مثل: «فئة»، «استدلال»، «صادق» (أعني الصدق في القضايا) إلخ، فإذا رأيت في قضية رياضية ألفاظا لم تعرف غير هذه المدركات المنطقية، كان ذلك دليلا على أنها ليست من قضايا الرياضة البحتة،
22
فإذا وفق المناطقة الرياضيون في بيان أن الرياضة البحتة بكافة فروعها، يمكن رد قضاياها جميعا إلى عبارات لا تشتمل على غير الثوابت المنطقية مضافا إليها متغيرات، حققوا بذلك ما يبتغون، وهو أن يبينوا أن الرياضة البحتة استمرار للمنطقية وجزء منه.
وننظر الآن في تعريف العدد؛ لنرى كيف أمكن رده إلى مدركات منطقية:
ينبغي أولا أن نلاحظ الفرق بين ثلاثة أشياء: (1)
المجموعة التي نعدها. (2)
العدد نفسه الذي نعد به تلك المجموعة. (3)
فكرة العدد بصفة عامة.
ولتوضيح هذه الأشياء الثلاثة التي لا بد من التمييز بينها؛ أقول: افرض أن أمامك ثلاثة رجال، فهذا الثالوث من الرجال هو المجموعة المعدودة، وهو شيء غير العدد «3» الذي نعد به تلك المجموعة، بدليل أن هذا العدد «3» نفسه يمكن تطبيقه على ثالوثات أخرى غير الرجال الثلاثة الذين تراهم أمامك الآن، فتطلقه على ثلاثة طيور وثلاثة أحجار وثلاثة مصابيح وغير ذلك، وما دمنا نطلق رمزا واحدا هو «3» على هذه المجموعات المختلفة من أشياء، فلا بد أن يكون بين تلك المجموعات صفة مشتركة هي التي نقصد إليها حين نستخدم الرمز «3»، ثم نعود فنفرق بين عدد معين مثل «3» أو «صفر» أو «9» وبين فكرة العدد بصفة عامة، فهذه الأعداد المختلفة إن هي إلا أفراد من فئة تجمعها، وما كانت لتجتمع في فئة واحدة لولا أن بينها صفة مشتركة هي التي نقصد إليها إذا ما تحدثنا عن «العدد» بصفة عامة، فالعدد «3» والعدد «صفر» والعدد «9» أفراد مختلفة الدلالات بعضها عن بعض، لكنها على اختلافها تنطوي تحت فئة واحدة هي «العدد»؛ لأن بينها جانبا مشتركا، وهذا الجانب المشترك في سلسلة الأعداد كلها هو المعنى المراد «بالعدد» إذا استعملنا الكلمة بصفة عامة، كما أن «طه» و«الحكيم» و«العقاد» أسماء لأفراد ينطوون - على ما بينهم من اختلاف - تحت فئة واحدة؛ هي مجموعة الأدباء، وإذن فلا بد أن يكون بينهم صفة مشتركة هي التي نقصد إليها حين نستعمل كلمة «أديب» بصفة عامة.
Shafi da ba'a sani ba