211

Bayrut da Lubnan tun shekara dari da rabi

بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن

Nau'ikan

لا أنكر أن فضولي البالغ حده قد حملني على القيام بعدة رحلات محفوفة بالأخطار وغير مجدية، ولكن أيجب الامتناع عن ركوب البحر إذا كان اليم يزخر بالمخاطر ؟

إن حبي الملحاح للاستطلاع كان - غالبا - علة رحلاتي الخطرة غير المجدية . كنت أسأل من ألتقيهم: هل نجد في ضواحيكم أطلالا هامة، وقصورا قديمة، ومعابد وثنية، وأخيرا بعض الحجارة الضخمة؟ فكانوا يقتادونني لأرى كتلا من الصخور بوشر فعلا قطعها وشغلها، إلا أن أهميتها لم تكن لتنسيني قط ما قاسيته في سبيلها من تعب ومشقة.

قرأت في كتاب «فولناي» أنه يوجد جسر طبيعي في جرود كسروان، ومع ذلك فليست الرغبة في رؤية هذا الجسر هي التي دفعتني - بعد عودتي من بعلبك - إلى القيام برحلة نحو آثار تلك الناحية التي لم يتحدث عنها رحالة واحد.

إن مشقات رحلتي الأولى جعلتني أسلك طريقا أخرى غير التي سلكتها أول مرة عندما قمت بزيارتي الثانية لقلعة فقرا مارا بعينطورة وعجلتون وفيطرون ... إلخ.

فأهوال الطريق التي سلكتها قديما اضطرتني أن أدور - هذه المرة - حول المخرم الضيق الواقع أوله عند أقدام صنين؛ وهكذا قيض لي أن أرى بسكنتا - القرية الكبيرة - القائمة على منحدر جبل يشرف على وادي الجماجم الرهيب.

إن أهالي هذه القرية من الموارنة والروم، وهي مقر عشرات الأمراء ومشايخ عديدين من بيت الخازن. اشتهرت هذه البلدة بالحياكة، وهي تصنع - بوجه خاص - نسيجا أكثره مصبوغ باللون الأزرق. وأكثر نسائها متحجبات بإزار أسود.

وإذا ما غادرنا بسكنتا مجتازين منحدر صنين الذي يشكل نصف دائرة، نصل إلى عين القبو، وهي مزرعة صغيرة تحيط بها أشجار التوت والعريش، ويجري في أسفلها نبع عذب المياه، يتفجر وسط قبو معقود بشكل دائرة نقشت على حنيته مخطوطة إغريقية.

ومن عين القبو نتسلق الجبل فنصل إلى مسجد تركي قديم كرس - كما قيل - لجوناس. ومن هنالك نهبط في واد جميل. فاتني أن أدون هذه الواقعة، ولا بأس من العودة إليها:

اضطررنا - ونحن على طريق بسكنتا - أن ننزل عن ظهور جيادنا ونقودها. وبعد أن أسقطت الطرقات السيئة نعالها وأصبحت حوافرها في حالة تلف يرثى لها، كان همنا الوحيد - لدى وصولنا - أن نستفيد مما يمكن أن نجده في هذه القرية الكبيرة من أسباب الراحة. ولكن لسوء حظنا صادف ذلك اليوم يوم عيد الرسل، والبيطار الماروني لا ينعل جيادنا ولو قبض ذهب العالم بأسره. اعتصم بشرائع كنيسته التي تأمر بترك كل شغل وعمل يوم ذلك العيد؛ فكدنا أن نقضي ليلتنا في بسكنتا لو لم ينبئونا أن البياطرة الروم - وهم ليسوا آنذاك من أصحاب العيد - يمكنهم أن يقوموا بهذه الخدمة التي رفض أن يقوم بها الموارنة. إن الاختلاف بين هاتين الملتين - الموارنة والروم - يدور على اثني عشر يوما بالضبط، فأولاهما تتبع التقويم الغريغوري (الحساب الغربي)، والثانية ترفض أن تسلم به لأن أحد البابوات دقق هذا الحساب ونظمه.

وعند المساء حططنا رحالنا في دير سيدة النياح، وهو دير للراهبات المتعبدات من طائفة الروم الكاثوليك من حلب والشام. كان بينهن آنئذ راهبة كلدانية ذات صوت جميل جدا. حدثونا عنها فلم نكترث ولم نعر الأمر اهتماما؛ لأننا لم نسمع أحدا من قبل يتحدث عن هذه العذراء المتعبدة وعن صوتها العذب.

Shafi da ba'a sani ba