تصدرت المجموعة الصورة التقليدية للعائلة الكبيرة؛ الجد في الوسط بملابس عثمانية، وشاربين كثين تدليا مع لحيته الطويلة فوق صدره. وإلى جواره الابن الأكبر الذي ألقى برأسه إلى الوراء في كبرياء يليق بدرجته العائلية، مزيحا طربوشه إلى الخلف، وقد انغرزت في ذقنه الحافة الصلبة لياقة غير مطوية دار بها شريط رفيع ثبتت به ربطة عنق عريضة. وكان يرتدي سترة وصديريا من قماش مربعات ملون ، وبنطلونا مخططا يختفي عند الركبة داخل الرقبة العالية للحذاء.
وإلى يسار الجد جلست زوجته أو ابنته الكبرى ثم الابن الثاني الذي ميز نفسه بكتاب مغلف حمله في يده اليسرى، وبنطلون وحذاء عاديين. وخلف الجالسين الأربعة اصطف ثلاثة شبان وثلاث فتيات متشابهو الملامح، وألقت آخر فتاة في الصف يدها على كتف حامل الكتاب في ألفة خاصة. وبين أقدام الجد اقتعد الأرض ولدان صغيران، واستقرت بجوار أحدهما قبعة من القش. وبدا أن الصورة التقطت في الهواء الطلق إذ كانت خلفيتها تتألف من ستارة أو ملاءة فشلت في إخفاء جدار حجري.
لم تكن هناك أية بيانات بجوار الصورة أو في الكتالوج الذي أخذناه من فتاة عند المدخل ترتدي جينز ضيقا للغاية، وتبرع وديع ببعض الإيضاحات؛ فهذه ملابس الدروز، وهؤلاء من الشيعة أو سكان الجبل، وهذه زوجة ثالثة أو رابعة للعجوز.
كان يشير إلى عجوز في جلباب بنصف ياقة، وطربوش قصير للغاية، يكشف عن فودين أبيضين، وبجواره امرأة في عمر ابنته أو حفيدته في ملابس قاتمة، تتألف من رداء سابغ وصديرية وطرحة. وبينهما وقف طفل في السادسة من عمره يرتدي بزة كاملة وحذاء برقبة قصيرة. وحمل العجوز على ساقيه طفلا آخر متطلعا إلى الكاميرا في وقار أبله. أما المرأة فكانت موشكة على الابتسام، في أسى؟ أم زهو؟ أم تلبية لرغبة المصور؟
تبعت وديع إلى صورة لعدد من الشبان بشوارب رفيعة محفوفة لا تكاد تبلغ جوانب الفم، وطرابيش طويلة مائلة إلى اليسار أو الخلف، وسراويل داكنة وسترات تكشف عن قمصان بيضاء بلا ربطات للعنق، تعلو جلابيب أو سراويل منتفخة. وكانوا يحيطون واقفين بشاب جلس علي مقعد خشبي ذي قاعدة من القش مثل مقاعد المقاهي الشعبية، وقد استقرت يدا اثنين منهم على كتفيه. كان يرتدي الملابس الأوروبية الكاملة مع طربوش أقل طولا وأكثر ميلا إلى الأمام على الناحية اليمنى، وربطة عنق ذات عقدة صغيرة تكاد تختفي أسفل ياقة القميص، وشارب صغير أقرب إلى الشارب الهتلري. وكان يتطلع إلى المصور في اعتداد، عاقدا ساقه اليسرى فوق اليمنى ، وقد استقرت يده الممسكة بعصا رفيعة فوق رقبة حذائه.
قال وديع: عنترة في زيارة سريعة لقريته.
بدا أن الركن الذي نقف فيه قد خصص لصور الريف والجبل؛ شاب وسيم أوشك طرفا شاربه أن يبلغا أذنيه، وبرز خنجر من فتحة صديريته المزركشة، أم متشحة بالسواد من قمة رأسها إلى قبل قدميها بسنتيمترات، لا يظهر منها غير حاجبيها وعينيها وبداية أنفها، وإلى جوارها طفل حافي القدمين. عشرة رجال يرتدي أغلبهم الطرابيش المائلة والقمصان والبنطلونات، تحلقوا حول مائدتين خشبيتين نصبتا في الهواء الطلق، وامتلأ سطحاها بأطباق المزات وأقداح العرق الصغيرة، وأحدهم يصب الشراب من «بطحة» في حجم الكف، بينما يشد آخر أنفاس «الأرجيلة». واضطجع ثالث إلى الوراء متطلعا إلى المصور في نظرة عنترية، وقد ظهرت سيجارة فوق أذنه اليسرى. ووقف خلفهم رجل في ملامح أوروبية لعله الأرمني صاحب المكان.
انتقلنا إلى قاعة أخرى فكأنما عبرنا حدا فاصلا بين عالمين. وقفت طويلا أمام صورة لمدخل مسكن برجوازي في المدينة؛ الباب الخشبي العتيد المؤلف من مصراعين غطت الزخارف المحفورة نصفيهما السفليين بينما تألف النصفان العلويان من نافذتين زجاجيتين تكسوهما شبكات حديدية من زخارف متماثلة. أصص النباتات المنزلية. الحصان الخشبي الملون المعهود المثبت إلى أرجوحة خشبية، يركبه طفل في ملابس البحارة، وقد وقف إلى جواره في سمت نابليوني، طفل آخر في نفس الملابس.
اقتصرت الصورة المجاورة على فتاة رقيقة الملامح في فستان حريري ينساب حتى قدميها، وتصل أكمامه الضيقة إلى أطراف أصابعها، التي استندت بها إلى الحافة النحاسية المزخرفة لأريكة. كان شعرها مصففا على شكل «شينيون» بفضل القضيب المطاطي، الذي خصص لذلك في الماضي. وتبينت في ركن الصورة توقيعا بالحروف اللاتينية ميزت منه اسم «ماري».
عثرت في إحدى الصور على تاريخ 1918. أيام الثورة العربية على الحكم التركي، وقبل عامين من هزيمة الجيش العربي أمام الفرنسيين في ميسلون، والتي أعقبها فرض الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان. وقبل عام واحد من الثورة المصرية الكبرى ضد الاحتلال الإنجليزي. وكانت الصورة لأم صارمة الوجه ذات عينين ملونتين، جلست بجوار ابنتها الكبرى بينما وقفت الابنة الصغرى خلف مقعديهما. وعرى الثلاثة رءوسهن، وارتدين ملابس طويلة تميزت بكثرة الطيات والزخارف. لكن الفتاتين انفردتا بألوان فاتحة وأكمام من الدانتيل تنتهي أسفل المرفق مباشرة.
Shafi da ba'a sani ba