Tsakanin Ebba da Ambaliya
بين الجزر والمد: صفحات في اللغة والآداب والفن والحضارة
Nau'ikan
وكذلك الشرق العربي بعد إجهاد تسعة قرون أدى فيها خدما جليلة إلى العالم، وكان بازدهار مدنيته وانتشارها وصلة بين الماضي والحاضر - عاد فهجع ثلاثة قرون شأن من ينام بعد مجهود كبير ليسترد قواه، وعندما استيقظ وجد نفسه وقد أحاطت به أحوال جديدة تقتضي أساليب جديدة عند من يود مجاراة الآخرين حرا لا عبدا، فنهض الشرق يطالب بكل ما تسوغه الحياة لبنيها النشيطين. ولئن بدت هذه الحركة مشلولة من جهة، كفيفة من الجهة الأخرى، تفتقر إلى الدربة العامة والنظام والتنسيق، فما هذا الاضطراب إلا طبيعي يلازم الخطوات الأولى في جميع دوائر النشاط الإنساني، وسيأتي الزمن والمران والاختبار بالحنكة المطلوبة، والانتظام في مختلف الجوانب.
وأكرر أن «الدافع» موجود في جميع أقطار الشرق بشكل الاحتلال الأجنبي، وهو طبعا صائر من عنيف إلى أعنف بتنور الأذهان والتيقظ لمعنى الحرية، بل لدوي اسمها وحده دون إدراك معناها، ولا قبل لأحد في هذه الأيام إلى مقاومة هذا الصدى الرنان المتفشي في النفوس.
السؤال:
هل تعتقدون بإمكان تضامن هذه الأقطار وتآلفها؟ ومتى؟ وبأي العوامل؟ وما شأن اللغة في ذلك؟
الجواب:
بين هذه الأقطار منذ الآن تآلف ضمني منشأه ذلك «الدافع» المكون من: طلب الحياة الجديدة، ومن كره الاستعمار، والرغبة في دفع سيطرة المستعمرين عن مرافق البلاد وشئونها. فالهزة التي تضرب اليوم في الشرق هزة سياسية، وغريمته هي أوروبا القوية ولية الأمر في الاختراع والصناعة والاقتصاد والمواصلات والحرب وما نحوها، وبديهي أن أوروبا لا تريد هذا التضامن؛ لأنه يناهضها ليسلبها ما هي في جد الاحتياج إليه.
إن ما دفع بأوروبا إلى الهجرة والاستعمار في بادئ الأمر ليس الطمع، بل هو ذلك الباعث الاقتصادي المتلخص في «فقر البيئة بتزايد عدد سكانها». مضت تستغل موارد الثروة الغافل عنها أهلها، فإذا بالسفن تعود إلى البلاد الأوروبية طافحة بالمواد الغذائية، والمواد الغفل التي أنشأت تدير بها رحى الصناعة، ثم توزع الإنتاج على الآفاق فتجني أرباحه. وما زال الغرب، وهو أكبر دار للمعامل والمصانع، يحتاج إلى أن تمده الأقطار الأخرى بنقصه من الثمرات والأقوات والمواد الغفل ليصنع ويربح ويحيا، على ما اعتاد أن يحيا بعد انتشار الاستعمار. فالغرب بالتفريق بين الأقطار الشرقية إنما يدافع عن ثروته وحياته، والشرق المتيقظ يطلب كذلك ثروته وحياته، وسيتتابع الصراع بين الفريقين.
وعلى أي فقد انقضت للمستعمرين أيام الهدوء والهناء، وإذا كان لا بد من التموين وتبادل الإنتاج بين الشعوب فيتحتم أن يختلف نوعه وطريقته بعد الآن. إن العالم كله في عذاب، واضطراب الشرق والغرب سواء بسواء، والمؤتمرات الواحد والعشرون منذ الصلح مهزلة جعلت العالم أشد شعورا بضرورة «تصفية كبرى محسوسة» تعدل فيها المصالح، وتراعى الحقوق، وتنظم المطالب بلا تحفظات ومداورات. والمستقبل وحده يعلم متى تتم تلك «التصفية»، وهل هي تجيء عن طريق الحرب أم السلم.
أما الترابط بين أقطار الشرق العربي فيظل تعاطفا أدبيا، حتى ولو جلا عنه الغرب؛ إذ صار الناس اليوم يطمحون إلى «القوميات» ويرغبون شديدا في الاستقلال ضمن حدود وطنية طبيعية. هذا إلا إذا جاءتنا الأيام ببعض مباغتاتها؛ فكثيرا ما تأتي الأيام بما ليس في الحسبان. أيا كان المستقبل فاللغة العربية خير وسيلة لهذا التعاطف الأدبي والتفاهم المعنوي بين أبناء الشرق.
السؤال:
Shafi da ba'a sani ba