Tsakanin Ebba da Ambaliya
بين الجزر والمد: صفحات في اللغة والآداب والفن والحضارة
Nau'ikan
ثم إن هذه الكلمة لا تؤدي معنى
Epopée
مطلقا، واسم «حماسي» وحده أو «قصصي» وحده يعني نوعا آخر من الشعر، واسم قصصي حماسي طويل كالشواطئ وهو من وضعنا نحن أبناء هذه الأيام، ولكني أتلقى بسرور كلمة «علواء» التي أشار بها حضرة البحاثة المفضال الأب أنستاس ماري الكرملي، فهي أتم ما استعمل إلى الآن معنى واختصارا ولفظا، ولكن إن نحن أخذنا بها وأطلقناها على الشعر القصصي الحماسي، فهي كذلك دليل على غيابه لندرة استعمالها؛ فقد أخبرني من قرأ أكثر كتاب الأغاني أنه لم ير لها ذكرا فيه!
إن غياب «الإيبوبي الإفرنجية» لا يحط من مقام لغتنا؛ لأن في العربية منظومات عالية وشعرا حماسيا بديعا (مما دعاه بستاني الإلياذة «ملاحم قصيرة») يتفق مع روح الأمة، ولن يصل شعراء الإفرنج إلى الإتيان بمثل ما يميزه من جزالة اللفظ وفخامة المبنى ورصف المعنى والبساطة البليغة: بساطة الروح العربي وبلاغته الخلابة؛ لأن الغربي سيظل أبدا غربيا والعربي عربيا مهما قربت بين أحوالهما الخارجية أسباب العمران.
ومن طبيعة العربي الهبوط إلى نفسه وتحليل ما يجول فيها من عاطفة وميل ورغبة ومفخرة، فإذا ما أقبل ينشد تغنى بما يهيجه من غضب وكيد وانتقام وحماسة وكرم ونخوة، فكان مبدعا شعر الحماسة والفخر. أو نظم المراثي أو زفر بما يسعر جنانه من وجد وحنين، فكان مبدعا شعر الغزل والنسيب. وشعره الوصفي ينتمي دواما إلى أحد هذين النوعين؛ لأن الطبيعة العربية لم تهتم قط بالنظريات المجردة، ولم تنزع إلا إلى الأشياء المحسوسة الملموسة، فجاء شعرها الفريد صورة صادقة لجوهرها الوجداني. وكان الشعر القصصي الحماسي عندها متفقا وسليقتها الخاصة، يجري على منهجه الخاص، خاضعا لجماله العربي الأنيق الخاص. ولو قام أحد شعراء عصرنا يسرد تاريخ الأمة العربية لجاءت هذه العلواء المجيدة أعظم وأبدع إلياذة في تاريخ الأدب عند جميع الشعوب.
أثبت هذا الرأي ليس بصفته رأيا حسنا، ولكن بصفته رأيي - كما كان يقول مونتاين، وقد يكون الخطأ نصيبي والصواب في جانب غيري، ولكن الحقيقة كعبة جميع الباحثين، فإنما إياها ينشدون في كل نفي وإثبات، ولو أردت اليوم كتابة ما دونته بالأمس لما أبدلت من الألفاظ الأساسية لفظة واحدة، ولو لم يكن لذلك من سبب سوى حمل الشاعر البغدادي على كتابة تلك الصفحات الممتعة النفيسة الاثنتي عشرة في معارضتي لكفى.
2
هللويا!
لقد عاد الشيخ كاظم الدجيلي في فبراير 1924 إلى موضوع الشعر القصصي الحماسي الذي يطلق عليه هذه المرة - ولعله نسي أني كنت من أنصار هذه التسمية - اسم «العلواء عند العرب»، فجاء يثبت وجود هذا النوع من الشعر تقريرا «للحقيقة»، وإنصافا للعرب، وترويضا - طبعا! - لذلك «العناد» الذي يأبى حضرته إلا أن ينسبه إلي.
ناقشني، وصمت خمسة أعوام درس خلالها الحقوق، ونفحني بقصيدة نشرها في «الهلال»، ودعاني فيها ببعض الأسماء الحلوة التي يبتكرها الشعراء يوم يوطدون النفس على معالجة «العناد» عند امرئ بوجه من الوجوه، وعلى أن يسترضوه بالأوزان والأسجاع ليخاصموه بالنثر المرسل.
Shafi da ba'a sani ba