Tsakanin Addini da Falsafa
بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
Nau'ikan
من هذا يظهر لنا أن بعض المشتغلين بالفلسفة كانوا غير أهل لها؛ إذ كانوا لا يقدرون على فهم ما تثير من مسائل ومشاكل، وربما كان الواحد منهم يخرج بسببها عن بعض ما جاء به القرآن، ويكونون بذلك سببا لإثارة رجال الدين ومن يليهم، واضطهاد الفلسفة ورجالها، وهذا فرض قريب من الحقيقة على ما يلوح لنا إذا لاحظنا أن القرآن حض في كثير من آياته على النظر العقلي فيما خلق الله من السماوات والأرض وما بينهما من عوالم مختلفة.
ولسنا نقصد بهذا إنكار أن الفلسفة كانت علما ممقوتا في الأندلس في بعض الأزمان، فلا يكاد يسلم المشتغل بها من اضطهاد، ولا أن ننكر أن بعض الذين عنوا بها قتلوا في سبيلها، وبعضهم كانت حياتهم عرضة للخطر بسببها، هذا وذاك حق لا سبيل لإنكاره، وقد زخرت كتب التاريخ بكثير من الأدلة عليه.
22
ولكننا نرى مع ذلك أن اضطهاد الفلاسفة بعامة وابن رشد بخاصة، كان من أسبابه الهامة التي ليس من الحق إغفالها ما كان يرى من خروج بعضهم فيما ذهب إليه من آراء عن بعض ما جاء به الدين بلا ريب، إما في الواقع وإما لأن الجهل يخيل ذلك للعامة ورجال الدين، فيندفعون للتعصب ضدهم ويجاريهم الولاة والأمراء والخلفاء أحيانا كسبا لقلوبهم، واستدامة لسلطانهم، أو لأنهم يرون أنهم على حق.
وهل من الدلائل على صحة ما نراه أن الخليفة المنصور نفسه لم ير بأسا في اشتغال أبي بكر بن زهر بالفلسفة التي حرم الاشتغال بها؛ وذلك لما يعلمه فيه من متانة دينه وعقله، وأن ابن زهر هذا أبى على اثنين من تلاميذه أن يشتغلا بشيء منها قبل إتقان علوم الدين واعتياد القيام بالشعائر الدينية، ثم أباح لهما ذلك عندما وصلا إلى ما أراد منهما.
وكذلك من الأدلة على صحة ما نذهب إليه: ما رواه الأنصاري من حادث الريح وتكذيب ابن رشد بقوم عاد والريح التي أهلكتهم، فإذا صح هذا كانت نكبة ابن رشد بسبب تكذيبه بما جاء به القرآن، لا بسبب أنه كان مشتغلا بالفلسفة فحسب.
ولنا أن نستدل أيضا بأن هذا الخليفة الذي نكب ابن رشد وأصحابه، قد ساءه كثرة الآراء في الفقه؛ حتى لتكون في المسألة الواحدة خمسة أقوال، فعمل على محو مذهب الإمام مالك الذي كان معمولا به أيامه، وأمر بإحراق كتبه وحمل الناس على العمل بالقرآن والحديث فقط، وتوعد من يخالف ذلك بالعقاب الشديد، وهذا المقصد كما يقول المراكشي، كان مقصد أبيه وجده إلا أنهما لم يظهراه وأظهره هو في عهده.
23
وإذن، فما كان من نكبة ابن رشد واضهاده مع غيره من الفلاسفة يرجع، فيما يرجع إليه من أسباب، إلى الرغبة في وضع حد للتفكير يحول بينه وبين التطرف، سواء أكان ذلك في الفلسفة أم في الأحكام الشرعية، وذلك حتى لا يشتد خلاف الفقهاء وتتعدد الآراء وتتشعب في الدين، وحتى لا يؤدي التفلسف إلى معارضة شيء مما جاء به القرآن أو الدين بصفة عامة.
24
Shafi da ba'a sani ba