Tsakanin Addini da Falsafa
بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
Nau'ikan
والآن وقد رأينا مشكلة التأويل في النصوص المقدسة توضع قبل ابن رشد في اليهودية والمسيحية والإسلام، أمام الفلاسفة والمفكرين من رجال هذه الديانات، علينا أن نقارن موقف ابن رشد فيها بموقف غيره ممن تناولناهم بالدراسة.
لم يحاول ابن رشد أن يجعل من القرآن أو الحديث كتابا فلسفيا، أو لم يحاول - بتعبير آخر - أن يجد فلسفة أرسطو الذي عرف بأنه شارحه الأول في القرآن والحديث، ليكون هذا توفيقا بين الوحي والفلسفة، كما حاوله تقريبا، وعمل له كل من فيلون وموسى بن ميمون في اليهودية، وكلمانت الإسكندري وأوريجين وأبيلارد في المسيحية، وكذلك لم يسر مع خياله في تآويله كما فعل فيلون، وذلك حين جعل الأشخاص التي جاءت في تاريخ الخليقة وتاريخ اليهود في التوراة رموزا لحالات النفس.
ولم يغل غلو المعتزلة أحيانا في إكراههم النص القرآني على أن يتفق ومذهبهم في علم الكلام بتأويله كما يرون، ولم يسرف أخيرا إسراف المتصوفة والشيعة الذين تعسفوا إلى أقصى الحدود أحيانا في تأويل القرآن والحديث.
إن فيلسوف الأندلس حين نريد أن نقارنه بهؤلاء وأولئك، نراه كما تقدم قد وجد في القرآن والحديث ما لا يقدر العامة على فهمه، وما له تأويلات عقلية لا يصل إليها إلا أهل المعرفة وهم الفلاسفة في رأيه؛ فأوجب على الأولين أخذ هذه النصوص حسب معانيها الظاهرة، وأوجب على الآخرين تأويلها ومعرفة المعاني الخفية التي لها.
كما حاول أن يجد لآرائه الكلامية سندا من القرآن لإقناع العامة ومن إليهم، وهذا ما فعل غيره من رجال المسيحية كما رأينا، وإن كان لم يجعل مثلهم الغرض من تفسير القرآن هو الاستدلال على اللاهوت الذي أخذ حظا غير قليل من الفلسفة، بل جعل عمدته في الاستدلال لآرائه الفلسفية - حتى ما يتصل منها بالدين - هو الدليل المنطقي، وشاهد هذا ما سنراه فيما يأتي عند الكلام عن المعركة بينه وبين الغزالي.
وفيما يختص بالمقارنة بينه وبين الغزالي أشد المفكرين معارضة لمذهب أسلافه فلاسفة الإسلام، نجد أن كلا منهما يرى وجود عامة وخاصة بين الناس، وإن كانا كما عرفنا يختلفان في تحديد الطبقة الخاصة.
كما يتفقان على أنه ليس للعامي أن يؤول ما يحتاج لتأويل من النصوص، ولا لمن هو من الخاصة أن يكشف له التأويل الذي يصل إليه، وإن كان ابن رشد يوجب في بعض الحالات التي يكون التأويل فيها واضحا أن يصرح بالتأويل ويذاع للجميع لا فرق بين الخاصة والعامة.
وبعد هذا وذاك نجد إيمان ابن رشد بقدرة العقل أقوى من إيمان الغزالي، وهذا ما يجعله لا يوجب التوقف أحيانا عن التأويل مع القطع بنفي المعنى الظاهر من النص، كما رأينا من الغزالي. •••
وأخيرا ننتقل إلى الفصل التالي؛ لنعرف كيف يمكن لفيلسوف الأندلس - مع المحافظة على المبادئ والأصول التي وضعها للعلاقة التي ينبغي أن تكون بين الشريعة والحكمة - كيف يمكنه الاستدلال للعقائد التي جاء بها الوحي بالنسبة لطوائف الناس جميعا، نعني استدلالا يقنع به القلب والعقل معا.
الفصل الثالث
Shafi da ba'a sani ba