Tsakanin Zakin Afirka da Damisar Italiya: Nazari, Tarihi, Halayya da Al'umma kan Matsalar Habasha da Italiya
بين الأسد الأفريقي والنمر الإيطالي: بحث تحليلي تاريخي ونفساني واجتماعي في المشكلة الحبشية الإيطالية
Nau'ikan
وليس معنى هذا أن الجماهير تعيش بلا عقل ولا تفكير، أو أنها لا تتعقل ما تسمع، أو لا تتأثر بالمعقول؛ لأن المشاهد عكس ذلك، والاختبار دل عليه، ولكن الفرق بين الفرد والجماعة في طريقة التعقل والاقتناع هو أن طبقة الأدلة التي تقيمها الجماعات تأييدا لأمر من الأمور، أو التي تؤثر عليها منحطة جدا من الجهة المنطقية، فلا يصدق عليها اسم الدليل إلا من باب التشبيه.
فتعقل الجماعة عبارة عن الجمع بين أشياء متخالفة لا رابطة بينها إلا في الظاهر، والانتقال الفجائي من الجزئي إلى الكلي، ومن التخصيص إلى التعميم بلا ترو. والأدلة التي يقدمها إليها أولئك الزعماء والأبطال الذين عرفوا كيف يقودونها كلها من هذا الطراز؛ لأنها هي الأدلة التي تؤثر فيها بخلاف سلسلة من الأدلة المنطقية فإنها لا تدركها.
وكثيرا ما تعجب أيها القارئ عند مطالعة بعض الخطب (التي تسبق الحروب أو الحركات القومية في بعض الممالك المفتونة بعبادة هذا الزعيم أو ذاك) من التأثير العظيم الذي أحدثته في سامعيها على ما بها من الضعف والركاكة، وذلك العجب منك لأنك نسيت أن تلك الخطب قد وضعت خصيصا لتؤثر في الجموع الزاخرة، والجماهير الحاشدة، لا ليقرأها العلماء أو أهل المنطق.
وهكذا تجد الزعيم الخبير بأحوال جماعته، الواقف على بواطن أمورها، الملم بنفسيتها، يعرف طريقة استحضار الصور التي تجتذبها، فإذا نجح فذلك غاية ما أراد، ولو أن أكبر العلماء وأقدر الساسة ألف مئات الخطب في عشرين مجلدا بعد ذلك ما كان لها من التأثير ما أحدثته تلك الكلمات التي دخلت في الرءوس المراد إقناعها.
ولسنا في حاجة إلى القول بأن عدم قدرة الجماهير على التعقل الصحيح يذهب بملكة النقد، فتمسي غير قادرة على تمييز الخطأ من الصواب، فلا تحكم حكما صحيحا في أمر ما.
عاقبة الظلم والتعدي على القريب والبعيد
يعد هذا القول منا بمثابة كشف القناع عن أسرار بعض المظاهر السياسية والاجتماعية التي نراها، ونحار حينا في تفسيرها وتعليلها؛ فلو رأينا رجلا واحدا يظهر فجأة لينادي بمبادئ تخالف ما كان يتبعه بالأمس، وخلفه رجال يشدون أزره باسم الدولة والمجد، ثم يقود قومه بمفرده إلى الهاوية، ويدفعهم إلى الهلاك فرحا مستبشرا، وهم لا يترددون ولا يفكرون في مصيرهم، وعماد هذا الرجل في تلك المجزرة البشرية، والتردي في مهاوي الدمار خطبه التي يلقيها من على ظهر جواد، أو على قمة جبل، أو مرتكنا على دبابة أو مدفع، فاعلم أنه من هذا الطراز الذي سبق وصفه، وأن ما سبق له من إصلاح أو خير في عمار دار، أو ترميم جدار، إنما كان نوعا من استدراج الشيطان له ولقومه حتى يلقوا حتفهم، ويقعوا في أحضان الفناء بمحض رغبتهم واختيارهم، وإن هذا الاستدراج الشيطاني قد أصم آذانهم، وأعمى أعينهم، وكف أبصارهم، وطمس على قلوبهم فلم يسمعوا نصحا، ولم يتبعوا هداية.
بل إن هذه القلوب نفسها لم تلن أمام أنات الإنسانية المعذبة، وتلك العقول التي كان دأبها الإدراك، أو من طبيعة تركيبها ينبغي لها الإدراك قد فقدت أدوات التفكير، وانقادت انقيادا أعمى وهي تنادي من أعماق قلبها ليحيا الإمبراطور، أو الزعيم، أو الملك العظيم! وما نداؤها وهتافها وتحيتها إلا للشيطان الرجيم الذي ملأ النفوس بالغرور، وأذهب من ذوي العقول عقولهم ليعودوا سيرتهم الأولى من الانحدار والانحطاط والسقوط.
إذا قال زعيم صيني في خطبة: إنني أحارب لأعيد مجد منشو القديم، وأجدد عظمة شنج لي-كنج، وأبعث جلال فو-شو-لو من مرقدها، فإن أهل بكين وشنجاهاي وكانتون ونانكين يصغون إليه في خشوع وخضوع، ويحملون السيوف والبنادق وراءه ليحاربوا، ليفنوا، ليجددوا المجد!
كذلك إذا نادى روماني قديم بأنه يحارب لإعادة مجد روما الداثر، وإقامة حظها العاثر، فالبسطاء من قومه يصدقونه، ويسيرون وراءه عملا بقول نابليون بونابرت في مجلس شورى الحكومة:
Shafi da ba'a sani ba