ولم تعد خديجة تطيق الصمت مدفوعة بكبريائها التي أبت عليها إلا أن تعلن عدم المبالاة بالأمر كله، بالرغم مما يصطرع داخلها من القلق والتشاؤم فقالت: هذا شيء وذاك شيء آخر، وليس ثمة داع لتأجيل هذا من أجل ذاك.
فقالت الأم بهدوء مؤثر: كلنا متفقون على تأجيل زواج عائشة حتى تتزوج خديجة.
ولم يسع عائشة إلا أن تقول برقة وتسليم: هذا أمر مفروغ منه.
امتلأ صدر خديجة حنقا لدى سماع النبرات الرقيقة التي تتكلم، ولعل رقتها نفسها كانت أشد ما أحنقها، ربما لأنها أوحت بعطف أبته كل الإباء، أو لأنها ودت لو تعلن الفتاة معارضتها صريحة لتتيح لها فرصة لمهاجمتها بما يشفي حنقها على حين قام ذاك العطف الكاذب البغيض درعا يدفع عنها الأذى، ويضاعف من حنق المتربص المتحفز، وأخيرا لم يسعها إلا أن تقول بلهجة لم تخل من حدة: لا أوافق على أن هذا أمر مفروغ منه، فليس من العدل أن يحملكم حظ عاثر على كسر حظ سعيد!
وتنبه فهمي إلى ما ينطوي عليه كلام خديجة من حزن غاضب بالرغم من ظاهره الموحي بالإيثار، فانتزع نفسه من قبضة أحزانه الشخصية نادما على ما صدر منه من قول في غضبته مما قد تحسبه خديجة ميلا صريحا منه إلى قضية أختها، فقال موجها خطابه إليها: إن مفاتحة بابا عن رغبة حسن أفندي لا تعني التسليم بتقديم زواج عائشة على زواجك، وما علينا من بأس إذا نلنا موافقته على الخطبة، أن نؤجل إعلانها للوقت المناسب!
ولم يكن ياسين مقتنعا بوجاهة الرأي الذي يحتم تقديم زواج على زواج، ولكنه لم يجد الشجاعة الكافية للإفصاح عن رأيه، إلا أنه روح عنه بكلام يفهم منه من يشاء ما يشاء، فقال: الزواج مصير كل حي، ومن لم تتزوج اليوم فستتزوج غدا.
وهنا انطلق صوت كمال الرفيع - الذي كان يتابع الحديث باهتمام - متسائلا على غير انتظار: نينة ... لماذا كان الزواج مصير كل حي؟
ولكنها لم تعن بالالتفات إليه، فلم يحدث تساؤله من أثر إلا عند ياسين الذي قعقع بضحكة غليظة دون أن ينبس بكلمة، على حين قالت الأم: أعلم أن كل فتاة ستتزوج اليوم أو غدا، ولكن هناك اعتبارات لا ينبغي إغفالها.
وعاد كمال يسألها: وهل ستتزوجين أنت أيضا يا نينة؟
وضج الجميع ضحكا فخفف هذا من حدة التوتر، وانتهز ياسين هذه الفرصة السانحة فتشجع قائلا: اعرضي الأمر على أبي؛ فالكلمة كلمته على أي حال.
Shafi da ba'a sani ba