كتاب البيان والتبيين
في معرفة الناسخ والمنسوخ من القرآن
تأ ليف سيدنا القاضي العلامة الحبر الفهامة ناظورة العلماء
ومعدن الحكماء ونبراس الكملاء الفخر المعلى والتاج المحلا فخر الملة والدين قدوة العلماء الراشدين حاكم المسلمين عبد الله بن محمد بن أبي النجم الحميري نسبا والعد لي معتقدا والزيدي مذهبا أسكنه الله بحبوح جنا نه بحق محمد وآله وصلى الله على سيدنا محمد وآله الانجبين والحمد لله رب العالمين
[خطبة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
Shafi 1
وبه نستعين وصلى ا لله على سيدنا محمد وآله الأنجبين (1) الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفرو بربهم يعدلون أحمده حمد مذعن له بالعبودية خاشع لعظمة الربوبية ولا إله إلا الله الذي قوله الحق ووعده الصدق الذي في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه وفي القرآن نوره وفي الجنة ثوابه وفي النار عقابه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ،وصلى الله على نبي الرحمة المخصوص بالقرآن والحكمة وعل آله الأئمة وسلم وكرم وشرف وعظم أما بعد : فإنه لما كثر الاختلاف بين الطوائف وصارت كل طائفة تعظم ألموا لف (1) وتخطي (2) المخالف وكل فرقة تدعي التمسك بالكتاب المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فبعضهم جعل المحكم متشابها ، وبعضهم جعل المتشابه محكما وبعضهم جعل المنسوخ عاما وأجرى عليه الأدلة وأنكر جواز النسخ (3)رأسا وكان الخطر في الناسخ والمنسوخ كبيرا ورأيت الباحث عنه يسيرا ورأيت التصانيف المصنفة في هذا الشأن بعضها يختص بالأحكام على حسب ما نزل ونسخ وبعضها على نسق المصحف الكريم غير أنها معراة عن ذكر شرائط النسخ وما يجوز نسخه وما لا يجوز وكل منهم يضع على قدر رأيه ومذهبه أحببت (4)أن أضع في هذا المختصر الآيات التي وقع الاختلاف في نسخها وأعين مذهب أئمتنا الأطهار مع الاجتهاد في الاختصار وتجنب الإكثار ليكون ذلك تعرضا لشفاعة القرآن يوم العرض على الملك الديان والدخول في دعاء من ينتفع به من الإخوان وهذا حين ابتدائي في ذلك ومن الله استمد المعونة والثبات
فقد روي عن أمير المؤمنين علي(عليه السلام) أنه سمع رجلا يعظ الناس ويقص عليهم فقال له : ( هل علمت ناسخ القرآن ومنسوخه ؟ ) قال : لا. قال : ( هلكت وأهلكت )
وأجناس ذلك رويت عن غيره من السلف ( رضي الله عنهم )
Shafi 2
[ مقدمة ]
فصل
اعلم أنه لابد لكل من أراد معرفة ناسخ القرآن ومنسوخه من معرفة
مقدمة تشتمل على مسائل في معنى النسخ وأحكامه وشرائطه وما يجوز النسخ له وبه ومالا يجوز فلنبدأ بذكر طرف من ذلك ثم لنرجع إلى ذكر الآيات التي وقع الخلاف في نسخها
(مسألة)اعلم أن النسخ في اللغة : (عبارة عن النقل والإزالة) يقال : نسخت هذا إذا أزلته،ونسخت الرياح الأثر،
ثم قد صار النسخ في الشرع : ( عبارة عن إزالة مثل الحكم الشرعي بطريق شرعي(1) على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه) وإنما قلنا مثل الحكم الشرعي لأن نسخ نفس الحكم يكون بدا قلنا بطريق ليدخل فيه الدلالة (2) والأمارة(3)لأن نسخ أخبار الآحاد في باب المعاملات يجوز بما هو من جنسها على ما يأتي بيانه(4) قلنا شرعي لأن النسخ بدلالة العقل لا يجوز قلنا مع تراخيه(5) لأن النسخ في الحال يكون بدا (6) والبدا لا يجوز على الله تعالى على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى
Shafi 3
### || (مسألة) حد الناسخ هو : (الطريق الشرعي الدال على
زوال مثل الحكم الثابت أولا بدليل شرعي على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه) والمنسوخ هو : ( الطريق الشرعي الموجب ثبوت الحكم على المكلف به ما لم يرد عليه النسخ ) وهذه الحدود جامعة شاملة تطرد وتنعكس وقد كثر الاختلاف في هذه الحدود وهذا هو اختيار المنصور بالله (عليه السلام) 0
(مسألة) ذهب الأكثر إلى جواز نسخ الشرائع وأنكرت اليهود ذلك وشرذمة من أهل الإسلام(1)
لنا أن الشرائع مصالح والمصالح يجوز اختلافها باختلاف الأزمنة والأمكنة والمكلفين ، وقد أجمعوا معنا أن قبلة إبراهيم عليه السلام كانت الكعبة ثم نسخ ذلك في شريعة موسى[ عليه السلام ] فصارت القبلة إلى بيت المقدس وإذا جاز النسخ في شريعة إبراهيم جاز في شريعة موسى وقد صحت نبوة محمد صلى الله عليه وآله [ وسلم ] بما لا سبيل إلى دفعه من المعجزات وقد علمنا ضرورة من شرعه أن دينه نسخ كل دين
Shafi 4
(مسألة) اختلف العلماء في أنه هل يجوز ورود النسخ على شيء لم
يرد من الله سبحانه تنبيه ولا إشعار بنسخه أم لا يجوز إلا فيما علم ورود التنبيه والإشعار على نسخه ؟ فذهب الأكثر إلى أنه يجوز نسخه وإن لم يكن ورد تنبيه ولا إشعار بنسخه لأن الأمر المطلوب (1) لا يتوهم استمراره لأنه يقع على قدر المصالح والمصالح تتغير بتغير الأوقات والأشخاص وذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز النسخ إلا بتقديم الإشعار بالنسخ مثل قوله تعال?? { أويجعل الله لهن سبيلا } (2)وقوله تعالى { لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } (3)
(مسألة) الأمر المقيد بالتأبيد يجوز نسخه لأنه يجوز تخصيصه
بالإجماع وما جاز تخصيصه جاز نسخه ولو صح ما روته اليهود عن موسى عليه السلام من قوله : ( تمسكوا بالسبت أبدا ) لجاز نسخه من حيث إنه يصح أن يقال : (تمسكوا به أبدا مادام واجبا) كما يقال : لازم الغريم أبدا فإنه يفيد ملازمته مادام غريما فقط
(مسألة) نسخ الأشق بالأخف جائز إجماعا ، وقد نسخ الله تعالى
العدة من حول إلى أربعة أشهر وعشر ، ونسخ الأخف بالأشق جائز عندنا خلافا لبعضهم(4) وقد نسخ الله صيام عاشورا بشهر رمضان وهو أشق
(مسألة) يجوز النسخ إلى غير بدل كقوله تعالى { إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة } (5)نسخ حكمها إلى غير بدل
Shafi 5
(مسألة) يجوز نسخ الأخبار إذا كانت مما يجوز تغير مخبراتها كأن
يكفر زيد مثلا فيعلمنا الله تعالى بكفره لتعلق المصلحة بالإعلام ثم يؤمن فيعلمنا الله تعالى بإيمانه لتعلق المصلحة بالإعلام ، فأما ما لا يجوز تغير مخبراته فلا يجوز ورود النسخ عليه كالإخبار بما يجب ثبوته لله ونفي ما يجب نفيه عنه(1)
(مسألة) ذكر الإمام المنصور بالله وأكثر مشائخه سلام الله عليه
ورضي عنهم أن نسخ التلاوة دون الحكم جائز مثاله :
ما يروى أنه كان يتلى :( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما نكالا من الله ) (2)
نسخت التلاوة والحكم باق وفي قراءة عبد الله بن مسعود { فصيام ثلاثة أيام متتابعات } نسخت التلاوة والحكم باق (3)، قالوا : وكذلك يجوز نسخ الحكم والتلاوة جميعا
مثل ما روي عن ابن مسعود :( أنزلت سورة كنا نشبهها بسورة التوبة ثم رفعت )
قال عبد الله بن الحسين بن القاسم عليهم السلام وهذا القول قول بعيد مدحور فاسد لا أراه حقا ذكر ذلك في كتاب الناسخ والمنسوخ وأظنه مثل مذهب أخيه الهادي إلى الحق عليه السلام
Shafi 6
### || (مسألة) يجوز نسخ الحكم دون التلاوة وهو إجماع
العترة ومشائخ الأمة ، مثاله كثير تعداده كآية الصوم والوصية للوالدين والأقربين ، وآية العدة بالحول(1)
(مسألة)لا يجوز نسخ الشيء قبل وقت فعله عندنا لأنه يؤدي إلى إضافة القبيح إلى الله ولابد أن يكون أحدهما خطاء لا محالة(2)فأما نسخ الشيء قبل فعله وبعد مرور وقته فذلك جائز ولا يظهر فيه خلاف
Shafi 7
(مسألة) قال الإمام ا لمنصور بالله (عليه السلام) الزيادة على
النص :( إن وقعت شرعية بدليل منفصل شرعي وأزالت حكما شرعيا على شرائط النسخ فهي نسخ (1) وإن لم يكن على هذا الوجه لم يكن نسخا (2) فأما النقصان عن العبادة فلا خلاف أنه يكون نسخا لما أسقط (3) وإنما اختلفوا في المنقوص منه هل يكون منسوخا بما نقص منه أم لا ؟ فعندنا أنه إن أزال حكما شرعيا كان ثابتا (4)للجملة فلما دخله النقصان زال ذلك الحكم فهو نسخ إن كان النقصان وقع بدليل شرعي وذلك مثل الصلاة مثلا وصيام اليوم الواحد فالنقصان منه نسخ لأنه يزيل حكما شرعيا وهو كونه مجزيا فيقضى بأنه نسخ
(مسألة) نسخ الكتاب بالكتاب جائز إجماعا وقد قال الله تعالى :
{ ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } (5) وأمثاله كثير وهو المقصود بهذا الكتاب وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى
[ الفرق بين البدا والنسخ ]
والفرق بين النسخ والبدا أن البدا : ما جمع شروطا وهي : أن يكون الآمر الناهي واحدا ، والمأمور المنهي واحدا ، والوجه واحدا ، والوقت واحدا ، والمكان واحدا ،والفعل واحدا، فإذا اختل واحد منها فهو نسخ وقد أطبقت الأمة أن البدا لا يجوز على الله تعالى إلا الرافضة ولا يعتد بخلافهم
Shafi 8
(مسألة) نسخ السنة بالسنة جائز إجماعا وهذا في السنة المعلومة ومثاله
قوله صلى الله عليه وآله وسلم (إني كنت أذنت لكم بالاستمتاع بهذه النساء ألا وإن الله قد حرمه إلى يوم القيامة ) (1)
وكذلك نسخ أخبار الآحاد بالبعض جائز بالإجماع
(مسألة) يجوز نسخ الكتاب بالسنة المتواترة عند الأكثر وهو الذي رجحه المنصور بالله عليه السلام والظاهر من مذهب الهادي وأخيه عبد الله خلافه وسيأتي مثاله في أثناء المسائل ويجوز نسخ أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم بأقواله ، وأقواله بأفعاله ، ويجوز النسخ بتقريره كأن يأمر بصوم عاشورا ثم يفطرون بحضرته ولا ينكر عليهم فإن ذلك يدل على نسخه
Shafi 9
(مسألة)ونسخ السنة بالكتاب جائز خلافا لبعض أصحاب الشافعي
مثل ما روي عن علي (عليه السلام) ( نسخ الكتاب المسح على الخفين ) (1)
واستقبال بيت المقدس ثبت بالسنة ونسخ بالكتاب
(مسألة) ولا يجوز النسخ بالقياس ولا نسخه ، ولا يجوز نسخ الإجماع ولا النسخ به عند أئمتنا عليهم السلام ، ولا نسخ الكتاب ولا السنة المعلومة بأخبار الآحاد لأن جميع ذلك عدول من الأعلى إلى الأدنى كالعدول من العلم إلى الظن وستأتي أمثلة ذلك مستوفاة إن شاء الله تعالى
( فصل )
في الطريق التي يعلم بها الناسخ ناسخا والمنسوخ منسوخا
اعلم أن الذي يعرف به ذلك لا يعدو أحد وجهين :
إما أن يكون الثاني منبيا على نسخ الأول لفظا أو يقتضي ذلك من جهة المعنى فأما ما يقتضيه اللفظ فنحو: أن يرد الخطاب بأن الثاني قد نسخ الأول وذلك مثل
Shafi 10
ما روي أن رمضان نسخ صوم عاشورا ، وأن الزكاة نسخت كل حق ، وأن الأضحية نسخت كل ذبح إلا أضحية المناسك (1) ومن ذلك : أن يرد بلفظ التخفيف مثل قوله تعالى: { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا } (1) نسخ ذلك وجوب وقوف الواحد للعشرة ، ومن ذلك قوله تعالى { ء أشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم } (2) فنبه بذلك على سقوط وجوب تلك الصدقة ، ومن ذلك
Shafi 12
قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع بهذه النساء ألا وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ) (3) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ) (1) وكل دليل ورد وكان يقتضي زوال الحكم الثابت بنص متقدم عن نظائره على وجه لولاه لكان ثابتا بالأول فالثاني يجب أن يكون ناسخا له بأي عبارة كان ، وقد يعلم الحكم منسوخا بأن يوجب الله سبحانه شيئا يضاده ولا يصح اجتماعه معه وإن لم يذكر فيه نهيا ولا لفظ نسخ،وقد يعلم الناسخ ناسخا ببيان إذا لم يكن لفظه مبينا مثل ما رواه الهادي إلى الحق (عليه السلام) الوصية للوالدين والأقربين نسخت بآية المواريث وإن كان ليس في ظاهرها منافات توجب النسخ إلا أنا علمنا النسخ ببيان قوله صلى الله عليه وآله وسلم :
(إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث) (1)
[ الطريق لمعرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ ]
( فصل )
فأما الطريق التي بعلم بها تاريخ الناسخ والمنسوخ فهي تعرف بوجوه :
منها : أن يكون في لفظ الناسخ ما دل على أنه بعده نحو ما تقدم من الأمثلة(2)
Shafi 14
ومنها : أن يكون الناسخ مضافا إلى وقت أو ما يجري مجراه يعلم به أنه بعد وقت المنسوخ مثل ما روي : قري علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن بأرض جهينة قبل موته بشهر وروي بشهرين : ( ألا لا تنتفعوا من الميتة بشيء ) (1) فكان هذا ناسخا لحديث سودة في طهارة جلود الميتة بالدبغ(1)
Shafi 15
ومنها: أن يكون المعلوم من حال الراوي لأحدهما أنه صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ما صحبه الآخر ، وأن عند صحبته له انقطعت صحبة الأول ، أو يكون المعلوم من حال الحديث الأول أنه كان في وقت قبل صحبة الثاني ، مثال ذلك :
حديث قيس بن طلق أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يؤسس مسجد المدينة فسأله عن مس الذكر ،(2)
ثم روى أبو هريرة عنه صلى الله عليه وآله وسلم شيئا فيمن مس ذكره
والمعلوم من حال أبي هريرة أنه صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بعد فحديثه ناسخ
ومنها : أن يعلم التاريخ من قول الصحابي مثل ما روي عن عائشة :
Shafi 16
( كان مما أنزل الله عشر رضعات يحرمن ، فنسخن بخمس ) (1)
وسئل ابن مسعود عن التحيات الصلوات في التشهد فقال : ( كان ذلك ثم نسخ ) فنحن نقبل روايته في التاريخ وإن كنا لا نقلده في مذهبه أن ذلك منسوخ بل نطالب بالحجة على النسخ فإن اجتمعت شرائطه فهو نسخ
ومنها : أن يكون إحدى الآيتين ، أو الخبرين يقتضي حكما عقليا والآخر يقتضي حكما شرعيا فيجب العمل على الشرعي لأنه الطاري هذا إذا جهل التاريخ فإن علم فالحكم له وعند جهالة التاريخ يجب الجمع بين الآيات والأخبار ما أمكن فإن لم يمكن رجع إلى الترجيح ، فإن تعارض العمومات ولم يظهر بينهما ترجيح اطرحا وسقط حكمهما ، وإنما يظهر الترجيح بين الخبرين بأن يكون راوي أحدهما أشد ورعا وتشددا في الرواية ، وأن يكون أحدهما أكثر رواة من الآخر ، أو بعمل الأكثر على أحدهما ، أو يكون مضبوط الإسناد والآخر مرسلا لا يعلم إسناده ، وتحرير ذلك وتفصيله يخرجنا إلى الإسهاب وموضعه كتب أصول الفقه البسيطة وفيما ذكرناه كفاية وتنبيه على مالم نذكره فلنرجع إلى ذكر السور على النسق إن شاء الله تعالى وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(سورة فاتحة الكتاب) نزلت بمكة وفي المدينة مرة أخرى
ليس فيها ناسخ ولا منسوخ لأن أولها ثناء وآخرها دعاء
(سورة البقرة ) مدنية إجماعا
Shafi 17
قوله تعالى : { ومما رزقناهم ينفقون } (1)
المراد بالنفقة هاهنا : الزكاة ، وقيل : كانت صدقة واجبة فنسخت بالزكاة والوجه هو الأول ، وليس في الآية نسخ
Shafi 18
قوله تعالى :? { إن الذين آمنوا والذين هادوا... } (1)
قيل (2)منسوخة بقوله تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه (3)هكذا روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه ،وقال شيخنا الحاكم رحمة الله عليه : والأولى أنها غير منسوخة لأنه لا تنافي بين الآيتين ومن حق الناسخ وقوع التنافي بينهما (4)
قوله تعالى : { وقولوا للناس حسنا } (5)
قيل : خاصة في المؤمن ، وقيل : هي عامة في المؤمن والكافر عن محمد بن علي وأبي عبيد ، ثم اختلف من قال إنها عامة هل هي ثابتة أو منسوخة ؟ فقال ابن عباس وقتادة نسختها آية السيف ، وقال الأكثر : ليست منسوخة لأنه يمكن قتالهم مع حسن القول، ومن حسن القول معهم : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن قال : الآية خاصة ففيها حض على حسن الأخلاق
Shafi 19
قوله تعال : { فاعفوا واصفحوا ... } (1)
قيل هي: منسوخة بآية السيف (2) وقيل هي : ثابتة ، والمراد بالصفح الإعراض عنهم والصبر على أذاهم ، وفيه إشارة إلى حسن الأخلاق والأول هو : الوجه
قوله تعالى : { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه
الله } (3)
قال السيد الإمام المقتصد العالم عبد الله بن الحسين بن القاسم عليهم السلام :
لما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة أمره الله تعالى بالصلاة إلى بيت المقدس وأنزل عليه ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ،
فكان صلى الله عليه وآله وسلم يصلي إليه لما أراد الله من تقريب أهل المدينة ومن حولها وذلك أن أكثرهم كانوا يهودا وكانوا يعظمون بيت المقدس فلما صلى إليه عظم أمره عند اليهود ووقع ما يدعوا إليه في قلوبهم وقالت قريش : ما صرفه عن قبلة آبائه ؟
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب قبلة أبيه إبراهيم وذلك أنها كانت قبلة جميع الأنبياء عليهم السلام غير أنه لم يكن أحد أمره الله ببناء البيت ولا دله عليه إلا إبراهيم ، وأما الأنبياء فكانوا يتعبدون بالصلاة إليه والقصد وكان عليه [ وآله أفضل الصلاة و] السلام يدعوا إلى الله في ذلك وينظر في السماء ويتلفت عند الصلاة إلى البيت العتيق فأنزل الله سبحانه { { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } (4)
Shafi 20
فنسخت هذه الآية الآية الأولى فاشتد ذلك على اليهود وقالوا :
ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ؟ فقال تعالى : { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه } (1)ثم قال تقدس مخبرا عنهم : { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } (2)يعني بالسفهاء اليهود ومن قال بقولهم فلما نسخت القبلة وهي أول ما نسخ صعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم المنبر فتلا هذه الآية ( قد نرى تقلب وجهك في السماء ... ) (3)
[ تاريخ تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة]
ثم نزل فصلى بهم الظهر إلى الكعبة ، البيت العتيق في النصف من شعبان لثمانية عشر شهرا من مقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة ، وصلى إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرا
قوله تعالى : { لنا أعمالنا ولكم أعمالكم }
ذكر الكلبي وغيره من أهل التفسير أنها منسوخة بآية السيف ، قال شيخنا الإمام الحاكم : الأولى أنها غير منسوخة لأن الآية لا تنافي الجهاد ولا تسقط وجوبه [ قال مولانا- عليه السلام - :وهو الوجه ](4)
قوله تعالى { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا
الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف
حقا على المتقين } (5)
اختلف العلماء في هذه الآية على ثلاثة أوجه :
فمنهم من قال :منسوخة في الكل من الأقارب وعليه الأكثر
Shafi 21
ومنهم من قال ثابتة في الكل ومنهم من قال ثابتة فيمن لا يرث ، منسوخة فيمن يرث ثم اختلفوا بأي دليل نسخ ، فقيل بآية المواريث وهو اختيار الهادي (عليه السلام) وقيل بالسنة
وهي قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا وصية لوارث ) (1)
وهو اختيار الإمام المنصور بالله (عليه السلام) وقيل: بالإجماع عن أبي علي ، والنسخ بالإجماع لا يصح عند يحيى وعبد الله بن الحسين عليهم السلام ، وهو قول الأكثر
قوله تعالى { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } (2) كان الصيام على الذين من قبلنا من العتمة إلى العتمة ، فمن نام لم يأكل ولم
Shafi 22