The Clear Evidence of the Invalidity of Analysis

بيان الدليل على بطلان التحليل

Editsa

فيحان بن شالي بن عتيق المطيري

Mai Buga Littafi

مكتبة لينة للنشر والتوزيع ومكتبة أضواء المنار للنشر والتوزيع

Lambar Fassara

الثانية

Shekarar Bugawa

1416 AH

Inda aka buga

مصر

بَيَانُ الدَّلِيلِ

عَلى

بُطْلَانِ التَّحْلِيلِ

تَأليفُ

شَيْخُ الإِسْلَامِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الحَلِيمِ بْنِ تَيْمِيَّةَ

تحقيق

دكتور/ فُرْحَانُ بْنُ شَالِي بْنِ عَتِيقِ المطيِّرِيّ

أستاذ بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

1

بيان الدليل

2

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الثانية

١٤١٦ هـ - ١٩٩٦م

مكتبة لينة للنشر والتوزيع

مصر - دمنهور - تلفون: ٠٤٥/٣٣٥١٩٩

تطلب منشوراتنا من

مكتبة أضواء المنار للنشر والتوزيع

السعودية - المدينة النبوية - مجمع أحد التجاري - شارع الضيافة

تلفون: ٨٤٧١٧٧١ - ٨٣٧٠١٨٥

3

بسم الله الرحمن الرحيم

4

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ.

﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا﴾(١).

﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا﴾(٢).

﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما﴾(٣).

أما بعد: فلا ريب أنه إذا أراد الله بعبده خيراً وفقه إلى العمل لخدمة شرعه ودينه، والنصوص الشرعية التي تدل على فضل هذا العمل أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر، ولهذا اهتم علماء الإسلام قديما وحديثا بهذا الأمر لأنه من الأعمال التي يدوم نفعها بعد الموت والله أسأل أن

(١) سورة آل عمران آية (١٠٢). (٢) سورة النساء آية (١).
(٣) سورة الأحزاب آية (٧٠ - ٧١).

5

يجعلني من خدام هذا الفن أعني العلم الشرعي وأن يرزقني الإخلاص في ذلك وأرجو أن يكون انتسابي إلى طلب هذا العلم من توفيق الله لي ومعلوم أن خدمة هذا الفن تنقسم إلى قسمين: قسم يتعلق بإخراج التراث القديم الذي بذل فيه أسلافنا وقتهم وعصارة فكرهم وإخراجه كما كتبه المؤلف والتعليق عليه وخدمته حسب المنهج المتبع.

وقسم يختص بجمع المادة من مصادرها في سفر واحد أو أكثر وتبويبها ومناقشة أدلتها، ولما كان شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن تيمية أحد هؤلاء السلف الذين أوقفوا أنفسهم لخدمة هذه الشريعة والدفاع عنها في شتى المجالات أحببت أن أساهم بجهد مقل بالتحقيق والتعليق وتصحيح المشكل على أحد مؤلفات هذا العلم الذي قل أن يجود الزمان بمثله وهذا المؤلف هو: (بيان الدليل على بطلان التحليل) والسبب الذي حملني على اختياره ما يأتي:

  1. مكانة المؤلف العلمية وقد أجمع المنصفون العارفون له على فضله وغزارة علمه واعتداله وإنصافه للخصم وعدم التعنيف فهو فقيه محدث محقق لكل العلوم.

  2. مكانة الكتاب العلمية فهو يتعلق بمسألة التحليل (أي التيس المستعار) وقد كتب المؤلف عن الموضوع كتابة لم يسبق إليها كما تعرض فيه للحيل مما يندر وجوده في غيره.

  3. ما وجدته من النقص والسقط في النسخة المطبوعة بقسميها التي جمعها الشيخ محمد رشيد رضا في الفتاوى المصرية والأخرى التي طبعها عبد القادر عطا وشركاؤه فإنهما اعتمد على نسخة توجد في معهد المخطوطات في القاهرة وقد سقط منها ربع الكتاب تقريبا هذا

6

بالإضافة إلى أن الكتاب لم يخدم بتخريج ما فيه من النصوص ونسبة الأقوال والتعليق عليه ولا واحد في المائة.

٤- الرغبة في خدمة هذا العلم رجاءً لما عند الله عز وجل هذه الأسباب وغيرها حملتني على العمل في هذا الكتاب وقد اعتمدت في إخراجه على ثلاث نسخ مخطوطة كما سيأتي - إن شاء الله - وقد قسمت العمل إلى قسمين: دراسة وتحقيق.

القسم الأول في المؤلف وكتابه (بيان الدليل) وقد بينته على فصلين:

الفصل الأول: في المؤلف شيخ الإسلام ابن تيمية. شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية من العلماء الذين اهتم بهم الكاتبون قديماً وحديثاً وسأقتصر على جوانب من حياته باختصار؛ لأن الكاتب عن حياته العلمية لا يمكن أن يأتي بجديد فقد أُلفت في حياته مؤلفات مستقلة بالإضافة إلى كتب التراجم التي اهتمت به وقل أن تجد كتاباً إلا احتل هذا العلم منه حيزاً كبيراً وإليك بعض الجوانب عن حياة هذا العلم.

١ - نسبه ومولده: هو تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني نزيل دمشق.

ولد ابن تيمية بحران يوم الإثنين عاشر ربيع الأول سنة ٦٦١ هجرية ولم يقم بهذه المدينة طويلاً فقد قدم مع والده وأهله إلى دمشق سنة ٦٦٧ مهاجرين من حران خوفاً من جور التتار.

وفي هذه المدينة عكف أحمد على دراسة العلوم الدينية وأخذ يتلقى العلم على كثير من شيوخه النابهين، فدرس على والده عبد الحليم وكان

7

من كبار أئمة الحنابلة واشتغل بالحديث على شيوخ عديدين(١).

٢- مكانته العلمية: نال شيخ الإسلام بن تيميه شهرة علمية عالية معروفة حتى عند خصومه وقد تجلت هذه المكانة العلمية فيما حققه وأبرزه في مختلف العلوم والفنون وكانت له استنتاجات بارعة وردود علمية مقنعة على جميع المبادئ والاعتقادات الخاطئة.

ولا يشك منصف أنه قد أضاف إلى الصرح العلمى كتبا تحمل خلاصة أفكاره وآرائه، وقد اهتم علماء الإسلام بهذه المؤلفات جمعاً وتحقيقا وطباعة وإخراجاً لهذه المؤلفات لما تحمله من الفوائد العظيمة في شتى المجالات وقد أضافت إلى المكتبة الإسلامية ثروة علمية ضخمة فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

هذا وتظهر لك هذه المكانة من عبارات العلماء الذين عاصروه أو تتلمذوا عليه في الثناء على هذه الشخصية الفذة.

قال الذهبي: (وفاق الناس في معرفة الفقه واختلاف المذاهب وفتاوى الصحابة والتابعين. وقال: وأما نقله للفقه ومذاهب الصحابة والتابعين فضلاً عن المذاهب الأربعة فليس له نظير)(٢).

وقال الصفدي في الوافي(٣): (ثم إنه أقبل على الفقه ودقائقه وغاص على مباحثه ونظر في أدلته وقواعده وحججه والإجماع والاختلاف حتى كان يقضي منه العجب إذا ذكر مسألة من الخلاف واستدل ورجح واجتهد).

(١) شذرات الذهب (٣٧٦/٥)، ابن تيميه السلفي (هراس) ص٢٥.
(٢) العقود الدرية ص٢٣.
(٣) الوافي بالوفيات (١٦/٧).

8

وقال البرزالي: (وكان إماما لا يلحق غباره في كل شيء، وبلغ رتبة الاجتهاد واجتمعت فيه شروط المجتهدين، وكان إذا ذكر التفسير أبهت الناس من كثر محفوظه وحسن إيراده وإعطائه كل قول لما يستحقه من الترجيح والتضعيف والإبطال وخوضه في كل علم كان الحاضرون يقضون منه العجب)(١).

وقال ابن سيد الناس: (فألفيته ممن أدرك العلوم حفظاً وكاد يستوعب السنن والآثار حفظاً، إن تكلم في التفسير فهو حامل رايته، أو أفتى في الفقه فهو مدرك غايته، أو ذاكر بالحديث فهو صاحب علمه وذو روايته، أو حاصر بالنحل والملل لم ير من نحلته في ذلك ولا أرفع من درايته، برز في كل فن على أبناء جنسه، لم تر عين من رآه مثله ولا رأت عينه مثل نفسه)(٢).

هذه أمثلة يسيرة في الثناء على هذه الشخصية المتميزة، وهي غيض من فيض، ومنها تظهر لك مكانته العلمية.

٣- موقفه من المذهب الحنبلي وثناؤه عليه:

بدأ شيخ الإسلام ابن تيمية حياته العلمية بدراسة المذهب الحنبلي بعد حفظه لكتاب الله، وعلاقته بهذا المذهب علاقة منشأ ومنهج، فقد نشأ في أسرة علم تنتسب إلى المذهب الحنبلي، فجده المجد عبد السلام إمام من أئمة المذهب الحنبلي، ووالده عبد الحليم عالم من علماء الحنابلة درس المذهب وكتب في أصوله، كما أن أسرة آل تيمية فيها علماء أفاضل ينتسبون إلى المذهب الحنبلي، تتلمذ الشيخ على علماء الحنابلة كوالده

(١) العقود الدرية (١٢، ١٣).
(٢) المصدر السابق (ص ١٠).

9

والشيخ شمس الدين بن أبي عمر صاحب الشرح الكبير وزين الدين ابن منجا ولما بلغ ابن تيمية سن التاسعة عشر تولى التدريس بالمذهب الحنبلي خلفا لوالده وقد استمر على ذلك مدة طويلة من الزمن وزادت رغبته في هذا المذهب حينما درس أصوله وفروعه وتبين له تمسك الإمام أحمد بمنهج السلف ومتابعته الدقيقة له، فأخذ يتضلع من علوم المذهب الحنبلي أصولا وفروعاً حتى إنه بلغ رتبة الإمامة في المذهب لما قدمه من دراسة منهجية وموضوعية للمذهب الحنبلي ولم يقتصر على المذهب الحنبلي بل اعتنى به وبغيره بيد أن التزامه بالمذهب الحنبلي في أول حياته أكثر من التزامه به بعد تمكنه من العلم إلا أنه كان يثني على المذهب الحنبلي كثيراً وكان سبب الثناء هو موافقة ومطابقة المنهج الذي رسمه لنفسه لمنهج الإمام أحمد الذي كان له أثر كبير في إعداد ابن تيمية ونشأته العلمية ولذا فهو ينسب نفسه للمذهب كثيراً فيقول: قال إمامنا كذا، وفي المذهب كذا ومذهبنا كذا، وقال أصحابنا وعند أصحابنا وهكذا مع أنه كان يخالف المذهب في بعض المسائل. ومما نقل عنه رحمه الله في ذلك ما يأتي:

١- (والحنابلة اقتفوا أثر السلف وساروا بسيرهم ووقفوا بوقوفهم بخلاف غيرهم)(١).

٢- قال(٢) (وأحمد كان أعلم من غيره في الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولهذا لا يكاد يوجد له قول يخالف نصاً كما يوجد لغيره ولا يوجد له قول ضعيف في الغالب إلا وفي مذهبه قول يوافق القول القوي وأكثر مفاريده التي لم يختلف فيها مذهبه

(١) مجموع الفتاوي (١٨٦/٤). (٢) الفتاوي الكبرى (٢٣٦/٢).

10

يكون قوله فيها راجحاً).

٣- وقال أيضاً عن أحمد (لما انتهى إليه من السنة ونصوص رسول الله ﷺ أكثر مما انتهى إليه غيره كان كلامه وعلمه في هذا الباب أكثر من غيره فصار إماماً في السنة أظهر من غيره)(١).

هذا بعض ما نقل عن الشيخ في الثناء على المذهب الحنبلي ولا يعني هذا تقليده له والدلائل على عدم تقليده كثيرة يعرفها من درس فقهه وسائر نهجه وهذا الكتاب الذي بين أيدينا من شواهد عدم تقليده فإنه يرجح ما يراه راجحاً دون تقليد لأحد.

٤- أثره في المذهب الحنبلي:

لا يخفى على طالب العلم مكانة ابن تيمية العلمية وقد عرفت ذلك من كلام أهل العلم الذين ترجموا له وأثنوا عليه بما هو أهله ومعرفته بالمذهب الحنبلي لا تقتصر على معرفته لأقوال الإمام وأقوال أصحابه وأدلتهم فإن المشارك للإمام وأصحابه في هذه الأحكام من غيرهم كثير وإنما تظهر معرفة الشيخ للمذهب عندما يتكلم عن أصول هذا المذهب وفروعه وعن منهج الإمام أحمد وعن مناسبة تلك الأقوال لأصوله أو عدم مناسبتها ومعرفة الرواية الراجحة منها المرجوحة ومعرفة كيف وقع الخطأ في نقل أقوال الإمام وسبب ذلك ومن يقرأ كتب الشيخ يدرك سعة تلك المعرفة بالمذهب قال رحمه الله في بيان المذهب عند اختلاف روايات الإمام أحمد: (ومن كان خبيراً بأصول أحمد ونصوصه عرف الراجح في مذهبه في عامة المسائل)(٢).

(١) مجموع الفتاوى (٤/١٧٠).
(٢) الفتاوى الكبرى (٢/٢٣٦).

11

والكتَّاب الذين بين أيدينا شاهد على ما سطرناه لك فلقد أخذ رحمه الله أقوال الإمام أحمد من مسائل تلاميذه الذين لازموه وأخذوا عنه الفقه وحفظوا مذهبه أو ممن أخذ عن تلاميذه حيث نقل أقوال الإمام أحمد من سنن الأثرم وجامع الخلال ومسائل حرب ومسائل ابنيه عبد الله وصالح ومسائل حنبل ومسائل أبي داود والمروذي وإسحاق بن منصور ومهنا ومحمد بن الحكم وإسماعيل بن سعيد وإسحاق بن راهويه.

ولاريب أن هذه المعرفة وسعة الاطلاع على أصول المذهب وفروعه وقواعده كان له أثر كبير في تحرير كثير من أصول المذهب وفروعه وتصحيح الأقوال التي أتت مخالفة للأصول أو وقع الخطأ في نقلها سواء كانت عن الإمام أو عن أصحابه كما أنه حقق مفهومات أقوال الإمام التي اختلف في فهمها ونتيجة لهذه المكانة العلمية في المذهب عوّل عليه أتباع المذهب الحنبلي من تلاميذه وممن أتى بعدهم في اعتبار اختياراته وتحقيقاته في المذهب الفيصل فيما اختلف فيه غالباً والناظر في كتبهم يجد هذا الأمر جلياً واضحاً كابن مفلح الجد والحفيد والمرداوي في الإنصاف وابن القيم وغيرهم.

٥- مؤلفاته : لاشك أن الناظر في مؤلفات ابن تيمية في مختلف العلوم والفنون يرى العجب العُجاب لكونها خارجة عن قدرة البشر المحدودة وقصورهم المعروف لكن الله يهب من يشاء ويمنع من يشاء وقد حرص تلاميذه على جمع مؤلفات شيخهم وبذلوا في هذه السبيل جهداً كبيراً يشكر لهم ولكنهم مع هذا لم يستوعبوها وقد قالوا هذا عند كتابتهم عن مؤلفاته ويرجع عدم استيعابهم لها لعدة أسباب من أهمها ما يلي:

  1. الثروة العلمية العظيمة التي خلفها ابن تيمية والتي يعسر حصرها.

12

٢- عدم استقرار ابن تيمية في موطن واحد وهذا أدى إلى تشتت وتفرق مؤلفاته.

٣- المعارضة ضد ابن تيمية وأتباعه التي كانت تعمل للقضاء على مؤلفاته فنتيجة لذلك تفرق أتباعه وأخفوا مؤلفاته فضاع الكثير منها.

٤- التأليف الذي لم تشتهر عنه قال ابن عبد الهادي في العقود الدرية

(وكان يكتب الجواب فإن حضر من يبيضه وإلا أخذ السائل خطه وذهب، ويكتب قواعد كثيرة في فنون من العلم في الأصول والفروع والتفسير وغير ذلك فإن وجد من نقله من خطه وإلا لم يشتهر ولم يعرف وربما أخذه بعض أصحابه فلا يقدر على نقله ولا يرده إليه فذهب وكان كثيراً ما يقول قد كتبت في كذا وفي كذا ويسأل عن الشيء فيقول: قد كتبت في هذا فلا يدرى أين هو)(١).

ونظراً لكثرة مؤلفات الشيخ وأن قصدنا هنا الإشارة فقط فسأكتفي بذكر بعض المصادر التي ذكرت مؤلفات الشيخ ومنها:

كتاب مؤلفات ابن تيمية لابن القيم.

كتاب العقود الدرية لابن عبد الهادي.

الوافي بالوفيات للصفدي.

٦- وفاته:

توفي الشيخ في السجن في دمشق يوم الإثنين سنة ٧٢٨هـ وكان عمره

(١) العقود الدرية ص ٦٥، شرح العمدة في الفقه - المقدمة ص٣١.

13

ثمان وستين سنة وكان يوم وفاته يوماً مشهوداً حيث خرج أهالي دمشق جميعهم من رجال ونساء وصبيان في تشييع جنازته تعبيراً عما يكنونه من الحب والتقدير لهذا الإمام العظيم وقد بكاه جميع فئات الناس من العلماء والأمراء والرؤساء حتى خصومه قال البزار: (قال العارفون بالنقل والتاريخ لم يسمع بجنازة بمثل هذا الجمع إلا جنازة الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه)(١).

وقال ابن عبد الهادي عدد الذين حضروا جنازته فيما نقله عن علم الدين البرزالي في تاريخه قوله: (وحضرها نساء كثير بحيث حزرن بخمسة عشر ألفا وأما الرجال فحزروا بستين ألفا وأكثر إلى مائتي ألف)(٢).

٧ - من مصادر ترجمة الشيخ:

اهتم العلماء قديماً وحديثاً الذين أتوا بعد ابن تيمية بالترجمة لهذه الشخصية المتميزة وذلك لما يتمتع به الشيخ من المكانة العلمية العالية والآراء والأفكار السائدة فحظي بتراجم كثيرة منها ما هو في مؤلفات مستقلة ومنها ما هو في شكل مقالات مطولة في كتب التراجم ومن الأول: كتاب العقود الدرية لابن عبد الهادي وكتاب الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية للبزار، والرد الوافر لابن ناصر الدين، والقول الجلي في ترجمة ابن تيمية لصفوة الدين البخاري، وابن تيمية لأبي زهرة، وحياة شيخ الإسلام ابن تيمية للمنجد، والإمام ابن تيمية لمحمد السيد الجليند، وابن تيمية بطل الإصلاح الديني لمحمود مهدي استنبولي والكواكب الدرية

(١) الأعلام العلية ص٨٦، شرح العمدة في الفقه - تحقيق الدكتور العطيشان ص٣٥.
(٢) العقود الدرية ص٣٧١، البداية والنهاية (١٣٩,١٣٥/١٤).

14

المرعى الحنبلي وابن تيميه السلفي لمحمد خليل هراس ومن الثاني: الذهبي في معجم شيوخه وتذكرة الحفاظ، والصفدي في الوافي بالوفيات وأعيان العصر، وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة وابن كثير في البداية والنهاية، وابن حجر في الدرر الكامنة في أخبار المائة الثامنة وابن الوردي في تاريخ ابن الوردي، وابن العماد في شذرات الذهب وشاكر كتبي في فوات الوفيات والعليمي في المنهج الأحمد والشوكاني في البدر الطالع، وكردي علي في كنوز الأجداد(١).

هذا بعض ما كتب عن هذه الشخصية وهو غيض من فيض وقصدي هنا التنبيه والإشارة بقدر ما يتناسب مع موضوعنا وهو خدمة الكتاب المحقق، والله أسأل أن يجعل القصد خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به من قرأه واطلع عليه والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

*****

(١) شرح العمدة في الفقه: تحقيق الدكتور العطيشان ص٣٦.

15

الفصل الثاني: في الكتاب المؤلف المحقق.

كتاب (بيان الدليل على بطلان التحليل) أول كتاب يكتب في هذا الموضوع حسب علمي وقد بذل المصنف فيه جهداً مشكوراً لم يسبق إليه وسأذكر في هذا الفصل بعض النقاط الهامة المتعلقة بهذا الكتاب وهي :-

  1. اسم الكتاب ونسبته إلى المؤلف: أما اسم الكتاب فقد كتب على النسخة الأولى وهي التي جلبتها من بغداد من مكتبة الأوقاف (بيان الدليل على بطلان التحليل).

  2. أما النسخة الثانية وهي التي حصلت عليها من المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة فقد كتب (بيان الدليل على إبطال التحليل).

  3. أما النسخة الثالثة وحصلت عليها من معهد المخطوطات بالقاهرة فقد كتب عليها (إقامة الدليل على إبطال التحليل).

وقد اختلفت عبارة المؤلف في تسمية الكتاب في الإحالة عليه فقد قال في مجموعة الفتاوى ج٣٣ ص ١٠٧ ما نصه:

وقد قررت هذه القاعدة في: (كتاب بيان الدليل على بطلان التحليل) وقال في موضع آخر ج ٣٥ ص ٢٩٥ ما نصه

كما قد نبهنا على بعضه في: (كتاب إقامة الدليل على بطلان التحليل)

وقال في الاقتضاء ج١ ص ٤٨٢ تحقيق دكتور ناصر بن عبد الكريم العقل ما نصه: (كما قد ذكرنا من الشواهد على ذلك نحوا من ثلاثين أصلاً منصوصة، أو مجمعاً عليها في كتاب (بطلان التحليل)

16

والذي يظهر لي أن ما كتب على النسخة التي اعتمدتها أصلاً هو الصواب وهو: (بيان الدليل على بطلان التحليل) لسببين:

السبب الأول: أنه موافق للنقل الأول الذي قدمناه لك عن المصنف.

السبب الثاني: هو أن النسخة المذكورة قد كتب عليها أنها بخط ابن القيم وهو تلميذ المصنف فهو أعرف باسم الكتاب وقد نقل كثيراً منه بحروفه في الإعلام ومما قدمنا لك يتبين صحة نسبة الكتاب إلى المؤلف وأنه لا يرتاب أحد في هذه النسبة إلى ابن تيمية رحمه الله.

٢- وصف نسخ الكتاب:

لقد اعتمدت في مقابلة هذا الكتاب ثلاث نسخ خطية الأولى: جلبتها من بغداد من مكتبة الأوقاف وقد كُتب على اللوحة الأولى أنها وقف على المدرسة المرجانية ببغداد وكان تاريخ الوقف ١٣١٤هـ. وقد كتب على اللوحة الأولى والأخيرة أنها بخط ابن القيم تلميذ المؤلف ولم يذكر تاريخ النسخ وهي متقدمة في النسخ ولا شك فقد كتب على اللوحة الأولى تملك الشيخ الفاضل محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي لهذه النسخة وذلك سنة ١١٣٨هـ. وقد كتب هو بخطه على اللوحة الأخيرة أنه قد طالع هذه النسخة وراجعها وكان ذلك سنة ١١٥٧هـ.

وعدد أوراقها ٢٢٤ لوحة وعدد الأسطر في الصفحة ستة عشر سطراً وفي اللوحة اثنان وثلاثون وهي أكمل النسخ إلا أنه وجد فيها سقط وأظنه من كراسة النسخ وهو ما يقارب نصف لوحة تقريباً وخطها ليس بذاك وفيها بعض الطمس.

أما النسخة الثانية فقد حصلت عليها من المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة. وعدد لوحاتها تسعون لوحة وتحتوي الصفحة الواحدة على تسع

17

وعشرين سطراً واللوحة ثمان وخمسون سطراً وخطها جيد إلا أن فيها كثيراً من السقط والتحريف وكان الفراغ من نسخها يوم الأربعاء ستة عشر من ربيع الأول ١٢١٨ هـ.

وأما النسخة الثالثة فقد حصلت عليها من معهد المخطوطات بالقاهرة وعدد لوحاتها ١٧٨ وفي الصفحة واحد وعشرون سطراً وكان الفراغ من نسخها يوم الأربعاء سنة عشر من ذي القعدة ١٣٠٠ هـ وخطها لا بأس به إلا أن فيها كثيراً من السقط.

٣ - أهمية الكتاب ومزاياه ومنهج المؤلف في تأليفه:

اعلم أن كتاب بيان الدليل على بطلان التحليل أول كتاب حسب علمي ألف في هذا الموضوع على هذه الصورة من الدقة والشمولية فهو كتاب جامع بين القول والدليل والمناقشة والترجيح وقد درج من قبله من الفقهاء على كتابة صفحات قليلة أو أسطر محدودة في هذا الموضوع وهو التحليل أو التيس المستعار لكن ابن تيميه أتى فيه من الأدلة والأحكام والترجيح والمناقشة ما لم يأت به الأوائل فقد جاز في الكتابة عن هذا الموضوع على أربعمائة صفحة فهو كتاب بحق ذو أهمية عظيمة لا يعرفها إلا من عايشه وأطلع عليه.

وقد نهج في تأليفه ما يلي:

  1. الاستدلال للحكم الذي يريد أن يدلل عليه من الكتاب والسنة ثم يتبع ذلك بأقوال الصحابة والتابعين.

  2. عرض أقوال الفقهاء في المسألة من الأئمة الأربعة وغيرهم والاستدلال لكل قول والترجيح مع مناقشة أدلة القول المرجوح.

18

٣- إيراد بعض المسائل الفقهية التي يستشهد بها على ما يريده والاستدلال لذلك أو إيراد بعض المسائل التي قد يظهر منها إشكال والجواب عن ذلك.

٤- قسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام استهل القسم الأول بالكلام مختصراً عن التحليل وأورد بعض الأدلة والآثار والأقوال المتعلقة بذلك وجعل القسم الثاني عن الحيل وقد أطنب في ذلك إطناباً لم أجده عند غيره وخص القسم الثالث تفصيلاً بالتحليل وقسمه إلى مسالك لم يسبق إليها.

٥- نسبة الأحاديث والآثار إلى مصادرها في الكثير الغالب وبيان درجة بعض الأحاديث التي فيها كلام لعلماء هذا الفن وهو منهم.

٦- أكثر من النقل عن الإمام أحمد بواسطة تلاميذه الملازمين له كابنيه عبد الله وصالح وأبي بكر الأثرم وأبي بكر الخلال وأبي داود والمروزي وإسحاق بن منصور ومهنا وإسماعيل بن سعيد الشالنجم وإسحاق ابن راهويه.

ويمكن أن نجمل ما يتميز به هذا الكتاب في النقاط التالية:

  1. الدقة والشمولية والإحاطة بكل ما له صلة بهذا الموضوع.

  2. دقة مصنفه في نسبة الأقوال إلى أصحابها من مصادرها المعتمدة.

  3. هذا الكتاب يجمع بين الفقه والأصول والسنة والقرآن بالإضافة إلى الاستشهاد بما نقل عن الصحابة والتابعين ولم يقتصر مؤلفه على المعاني والأدلة والشرعية بل أثري كتابه هذا باللغة العربية ومعانيها.

  4. تضمن هذا الكتاب الحكم من مصنفه بنفسه أو عن غيره على كثير من

19

الأحاديث التي فيها كلام لأهل العلم.

٥- الجمع فيه بين الدليل والاستدلال والمناقشة والترجيح ولم يقتصر مؤلفه على مذهب واحد بل يورد فيه مذاهب الأئمة الأربعة وغيرهم كسفيان الثوري والأوزاعي وداود والظاهري والليث بن سعد وأمثالهم.

٦- وجود قسم كبير من هذا الكتاب يبلغ النصف أو يزيد عن الحيل وما يتعلق بها من أدلة وأحكام وقد قسمها المؤلف تقسيماً لم أجده عند غيره مما يعطي هذا الكتاب ميزة ظاهرة يجده الناظر فيه من أهل هذا الفن.

٧- أورد مصنفه قسماً يكتب بماء الذهب عن سد الزرائع وقد نيف على ثلاثين مثالاً عن هذا الموضوع ونستطيع أن نقول لم يترك هذا الكتاب باباً يتعلق بهذا الموضوع إلا طرقه وسبحان الذي يهب لمن يشاء مثل هذا العلم وتلك العقلية وأسأل الله عز وجل أن يرحم مؤلفه رحمة واسعة وأن يسكنه فسيح جناته إنه ولي ذلك والقادر عليه.

٤- منهج التحقيق:

قمت بتحقيق هذا الكتاب وحاولت جهدي إخراجه كما كتبه مؤلفه أو قريباً منه وقد قسمت عملي في هذا الموضوع إلى قسمين:

القسم الأول وضمنته ما يأتي:

١- جعلت نسخة أصلية اعتمدت عليها ورمزت لها بالأصل وهي أقدم نسخة عثرت عليها وخطها جيد وعليها تعليقات وقد كتب عليها أنها بخط الإمام ابن القيم تلميذ المؤلف وهي النسخة التي حصلت عليها

20