Jarumin Fata Ibrahim
البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام ١٨٣٢
Nau'ikan
فأرسل الباب العالي في 10 أبريل رسولا إلى الأميرال روسين بأن يصدر تعليماته إلى المسيو دي فارين، بأن يلزم في مفاوضته إبراهيم باشا حدود اتفاق 21 فبراير، والعدول عن مكالمته على قاعدة التنازل عن حلب ودمشق. فرد الأميرال روسين بأنه إذا تغير حرف واحد من اتفاق 29 مارس بينه وبين الباب العالي على أن يتنازل الباب العالي عن حلب ودمشق، فإن فرنسا تستدعي المسيو دي فارين وتنفض يدها من هذه المسألة. فتدارك ريس أفندي الأمر وأبلغ الأميرال أنه لا يغير شيئا من اتفاق 29 مارس.
وفي 10 أبريل كتب المسيو دي فارين «أن رشيد بك أبلغ إبراهيم باشا بأن الباب العالي يعطي محمد علي سوريا كلها، ولم يبق من صعوبة إلا في أمر المقاطعات الأخرى؛ لأن إبراهيم لا يطلب أدنه وسلفكي فقط، بل أورفا وديار بكر. وبعد مناقشات طويلة ارتضى إبراهيم أن يرجع عن طلب ديار بكر وأورفا، وأن يكتفي بأدنه التي لا يتنازل عنها بحال من الأحوال. فإذا ارتضى الباب العالي ذلك، فإن إبراهيم يرسل إلى والده بأن الصلح قد تم، ويأمر سليمان بك بأن يعيد إلى قونيه الفرق التي غادرتها إلى كوتاهيه.»
ولما وصل هذا الكتاب، طلب ريس أفندي من سفير إنكلترا أن يكتب إلى إبراهيم باشا بأن الباب العالي ارتضى التنازل لوالده عن حكم أدنه أيضا، والسبب الذي حمل ريس أفندي على أن يطلب ذلك من سفير إنكلترا هو أن هذا السفير كان يعارض أشد المعارضة في إعطاء حكم أدنه لمحمد علي . وأيد هذه الفكرة الأميرال روسين، فكتب إلى إبراهيم باشا أن فرنسا لا تتساهل في مسألة أدنه، وحجته في ذلك أن إعطاء ولاية أدنه لمحمد علي يضع في يديه الأخشاب ومسالك الطرق في جبال طوروس وطريق إستامبول. وكان رأي الأميرال روسين أن تتفق الدول جميعا على ذلك، وإن أفضى الاتفاق إلى إكراه محمد علي بالقوة؛ لأن الباب العالي قد يسلم بمطالبه تحت ضغط إبراهيم.
وفي 15 أبريل صدرت التوجيهات، وهي جدول أسماء الولاة والحكام المثبتين في ولايات الدولة، وفي هذه التوجيهات أن ولايات مصر ودمشق وحلب وعكا وبيروت وطرابلس الشام وكريد والقدس ونابلس، قد حولت إلى عهدة محمد علي، وأن ولاية الحبشة وجدة ومكة إلى عهدة إبراهيم باشا. وأما ولاية أدنه موضوع الخلاف، فإنها تظل تابعة لخزانة الدولة.
ولما أبلغ ذلك إلى إبراهيم، صاح صيحة الغضب والسخط، وقال للرسول: «كيف أستطيع أن أكتب إلى والدي أن الحكومة التركية لا تنفذ عهودها؟ فليكتب الباب العالي ذلك إلى والدي، أما أنا فإني أوقف كل حركة إلى الوراء.» لأنه كان قد أصدر أمره إلى إحدى الفرق بالعودة إلى قونيه، ولكن الثلوج منعتها عن السفر.
وفي 23 وصل كتاب القايمجي إلى الباب العالي بأن إبراهيم باشا يلح في أن يعين حاكما لأدنه، ومعنى ذلك أنه يرفض التنازل عن هذه الولاية.
فاجتمع الوكلاء، وقرروا أن يطلبوا من إبراهيم باشا أن يرسل إلى الآستانة إما عثمان بك وإما باقي بك من رجاله المقربين، للمباحثة في مسألة أدنه، ففهم إبراهيم أن المقصود المماطلة والتسويف، حتى تصل الأمداد الروسية - وهي بين 6 آلاف و7 آلاف مقاتل وعشر سفن حربية - فضلا عن أن الأميرال روسين الفرنساوي كان يهدد محمد علي بقوة أوروبا. ولكن وزير خارجية فرنسا كتب إلى هذا السفير «أن الوصول إلى الصلح أغلى من أدنه ثمنا.» وحاول الأميرال روسين الاستعانة بالجنرال مورافيف والمسيو بولتيف، فرفضا، ووصل في أول مايو اللورد بونسوبي سفير إنكلترا إلى إستامبول، فأدرك أن الباب العالي يميل إلى إعطاء أدنه إن كانت إنكلترا وفرنسا تسمحان له بذلك. وفي الوقت ذاته سأل سفير روسيا الديوان عما يريد أن يفعل الجيش الروسي الذي وصل إلى نهر الدانوب، وعدده يتراوح بين 30 ألفا و40 ألفا، أهو لحرب يواصلها أم تسليم شئون تركيا إليه؟ فاجتمع الوكلاء واتفقوا على الاستعفاء إذا طلب الجيش الروسي. فصدر بعد ذلك بثلاثة أيام خط سلطاني بالموافقة على قرار الوكلاء، وهكذا انتصر الميل إلى الصلح.
وكان إبراهيم باشا قد أبلغ الباب العالي أنه يكتفي بأن يكون «محصل أموال أدنه»، كأي محصل آخر، وأن هذا يرضي والده ويريح الباب العالي، وهذا ما قبله الديوان وقرره.
كان وصول إبراهيم البطل الفاتح إلى كوتاهيه سببا لانهماك الدول في مسألة تركيا ومصر، فأوفدت فرنسا والنمسا وإنكلترا مندوبين سياسيين إلى مصر: هم بوالكنت من مديري الشئون الخارجية الفرنساوية، والكولونيل كامبل من سياسي إنكلترا، والهر بروكس أوستن من سفراء النمسا. وأوفدت إلى الآستانة الأميرال روسن الفرنساوي واللورد بونسوبي الإنكليزي والجنرال مورافيف والكونت أورلوف الروسي.
وكانت سياسة روسيا ترمي إلى بسط حمايتها على تركيا، وسياسة النمسا حل المسألة بالاتفاق مع روسيا، وسياسة فرنسا وإنكلترا إبعاد روسيا عن تركيا والحيلولة دون أن يؤلف محمد علي الإمبراطورية العربية؛ لذلك كان رأي اللورد بونسوبي بعد درس المسألة أن ينصح - بالاتفاق مع الأميرال روسين - السلطان بقبول الحل الذي حله إبراهيم باشا، وذلك بأن يعين محصلا - أي مديرا - لأموال أدنه باعتبارها جفلكا سلطانيا. وكان سخط العلماء وطلبة الدين - وعددهم ثلاثون ألفا - ظاهرا باديا في الآستانة لاستدعاء السلطان الجيش الروسي والأسطول الروسي لاحتلال عاصمة السلطنة. ولما خرج السلطان للصلاة في اليوم الثالث من أيام عيد الأضحى بدا له سخط الشعب لهذا السبب ولشدة الضائقة من قلة الغذاء؛ لأن جيش إبراهيم قطع المواصلات مع بلاد الأناضول التي تغذي الآستانة، ولأن الروس زاحموا الأهالي على ما عندهم من المآكل. فلما عاد إلى القصر السلطاني سلم بإعطاء إدارة أدنه لإبراهيم. وهكذا انتهت المفاوضات التي بدأت في أبريل بقبول شروط محمد علي في 3 مايو. ولم يشأ محمد علي أن يطلب قبرص لفقرها؛ «لأن الإتاوة التي يطلبها الباب العالي ستة آلاف كيس (3 آلاف جنيه)، وهي عاجزة عن دفع هذا المبلغ مع أن كريد صالحة للتعمير والاستثمار.» وهو إذا ملك كريد وأدنه وسوريا ومصر ألف من ذلك كله وحدة قوية وغنية معا. ومما قاله محمد علي لمندوب النمسا: «إن امتلاك أدنه لازم لي؛ لأن الباب العالي لا يستطيع التجاوز عن عملي معه، فالواجب أن تكون بيدي الضمانة؛ فهو غدره ضعيف الآن ولكنه يستطيع أن يستعيد قواته بعد ست سنين، وهو يحكم ستين مليونا، وأنا لا أحكم سوى أربعة ملايين، فلا بد لي من بلاد تدافع هي عن نفسها.»
Shafi da ba'a sani ba