Jarumin Fata Ibrahim
البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام ١٨٣٢
Nau'ikan
لا أقدر أن أصف لك مقدار أسفي لاضطراري إلى منازلة رجل أحبه وأجله، وقد تسنى لي أن أقدره حق قدره، ولكن إذا كان صديقي وزميلي رشيد باشا قد تلقى الأوامر بمهاجمتي من سيده ومولاه، فإن إبراهيم قد تلقى الأوامر ذاتها من سيده وأبيه، فهو ليس أقل منه رغبة في حقن دماء المسلمين، ولكنه ليس في الحقيقة سوى خادم مطيع، فلا لوم علينا ولا تثريب نحن الاثنين معا، ولسنا نحن - أنت وأنا - بمسئولين عن الدماء التي تراق، ولكن التبعة تقع على الذين أمرونا به، ولا سبيل إلى مخالفة ما أمروا.
بعد وصول هذا الكتاب إلى رشيد باشا زحف بجيشه إلى سهول قونيه في 21 ديسمبر. وكان إبراهيم باشا يعرف أخلاق رشيد باشا في القتال، ويعرف أنه ينقض على خصمه انقضاض الصقر، فاتخذ إبراهيم الحيطة ليوقعه في الشراك، فتظاهر بالخوف من الاصطدام به، وسحب قواته إلى ما وراء قونيه في مكان يمكنه من إخفاء شطرين من قوته؛ أحدهما على ميمنة رشيد باشا، والآخر على ميسرته. أما رشيد باشا فإنه زحف بكل حزم وعزيمة صادقة على الصدر، وكانت معركة شديدة جدا، وكان عدد الفرسان مع رشيد باشا نحو عشرة آلاف انقضت عليهم الجنود المصرية من كمينها على اليمين وعلى الشمال، فأخذ أولئك الفرسان على غرة من كل جانب، فذعروا وتفرقوا وأحدثوا الاضطراب، وهجمت الجنود المصرية، واشتدت المدافع المصرية بالضرب، حتى إذا ما دنت الشمس من الغروب كان جيش رشيد باشا قد تمزق كل ممزق.
قال إدوار جوين: كان الأتراك ثلاثة أضعاف المصريين في هذه المعركة، إلا أنهم كانوا أضعف منهم في ميدان القتال؛ لفساد التمرينات العسكرية ولبسالة إبراهيم وسليمان بك وبراعتهما في تحريك قوات الجند، فقد ترك الترك بعد الانهزام في هذه المعركة اثنين وتسعين مدفعا وثلاثة آلاف قتيل وعشرة آلاف أسير، ووقع الصدر الأعظم - وهو السر عسكر، وهو مندفع بقوة بسالته وحماسته - في ميدان القتال أسيرا في أيدي العربان المصريين، وجيء إلى إبراهيم باشا فتلقاه بالإجلال والإكرام. ولما كان هذا القائد يعتقد أنه لن يعيش إذا انهزم جيشه، فإنه استودع كاتم سره مفاتيح الباب العالي ومفاتيح السر عسكرية. ولما أوشكت المعركة أن تنتهي هجم بنفسه للقتال، فتقدم منه بعض العساكر الذين خدموا تحت إمرته في بلاد المورة، وقالوا له والدمعة تجول في عيونهم: يا باشا لقد قضي الأمر. فأجابهم: «تشجعوا ولا تيأسوا، ما دامت في العروق قطرة دم فلا محل لليأس.»
ولما نقل كلامه إلى أحد كبار الشيوخ في قونيه قال: «لما كشفت النباتات للقمان عن سر خواصها الطبية، لم يقل نبت واحد منها إن لي خاصة الشفاء من الموت. وقد كان محمد رشيد باشا في هذه المعركة لقمان، ولكن دولتنا كانت الجثة الهامدة الخامدة.»
وهكذا فقدت الدولة العثمانية في أقل من ستة أشهر جيشين كبيرين؛ أحدهما جيش الباشاوات في حمص، والثاني جيش رشيد باشا في قونيه.
وقد قال الترك في تقاريرهم عن معركة قونيه: إن إبراهيم باشا خدع محمد رشيد باشا؛ إذ بلغه أنه سيهاجمه في 23 ديسمبر، فخطر لرشيد باشا أن يتغداه قبل أن يتعشاه، فهجم في 21 ديسمبر ووقع في شراكه.
ولقد اضطرب السلطان محمود وجزع لاندحار جيشه ولأسر السر عسكر، فكتب إلى قيصر روسيا يطلب مساعدته وإمداده بخمس بوارج وست فرقاطات و40 ألف جندي، وإرسال الجنرال مورافيف قبل ذلك إلى الإسكندرية لإنذار محمد علي. وكانت فرنسا وحدها تعارض في ذلك وتلح على السلطان بقبول شروط محمد علي الذي يتحول بعد قبول شروطه إلى أقوى مساعد للدولة.
وفي الوثائق المصرية المحفوظة «جورنال» كاتب السر عسكر إلى محمد علي عن محادثة طويلة في 26 ديسمبر بين إبراهيم باشا ومحمد رشيد باشا عن خلع السلطان محمود وتعيين ابنه عبد المجيد سلطانا.
رشيد باشا :
ولكن عبد المجيد أفندي لا يزال طفلا، فهل تظن أنه قادر على تولي الحكم وتصريف الأمور.
Shafi da ba'a sani ba