ويقول كذلك: «إن فينا شيئا خفيا يسمى الروح تقتله الرداءة المتعمدة، ولن تجدي مغانم المادة بغيره فتيلا في احتمال الحياة ... والسلوك الحسن لا يمليه العقل، بل تمليه بداهة إلهية فوق ذرع العقول.»
إلا أن الإنصاف يقتضي القارئ أن يعرف أعذار «شو» من التناقض ودواعيه التي توقعه فيه، وتوقع كل كاتب غيره في مثل هذا التناقض إذا كتب كما كتب وتوخى النهج الذي يتوخاه.
فمن اللازم أن نذكر أولا أن «شو» يلقي وجهة نظره أحيانا على لسان بطل أو بطلة في الرواية فيجعلها وجهة نظر من ناحية واحدة، ويبالغ فيها ليفسح مجال الرد عليها من الوجهة الأخرى، ومن أجل هذا تتعرض آراؤه للمناقضات كما تتعرض جميع المبالغات.
ومن اللازم أن نذكر ثانيا أن الرجل قضى سبعين سنة يكتب في موضوعات شتى متعددة الجوانب متفرقة الشعاب، وأنه أعاد الكتابة فيها مرة بعد مرة على أضواء الحوادث الحاضرة أمامه في كل مرة، ولا أمان من تعدد الجوانب والوجهات في هذه الأحوال.
ولا يمنعنا ذلك كله أن نلقي التبعة على أطواره التي تسوقه إلى المناقضة عامة أو غير عامة، فهو مولع بالمخالفة، قادر على التماس حججها والبراعة في التماسها ... ومن برع في استعمال سلاح فقلما يسلم من الشطط في الإصابة به حيث أمكنه أن يصيب.
وهو صاحب «نظريات» لا يتحرى تطبيقها عملا في فترة محدودة من الزمن أو في مدى حياة واحدة، ولو أنه سيم أن يطبق نظرياته لاضطرته الوقائع إلى القصد في المبالغات، وهي على الدوام معثرة المبالغين، وسائقتهم إلى التناقض والاضطراب.
وجملة ما يقال في هذا الصدد إنصافا له وللحقيقة: إنه على كثرة مبالغاته ونقائضه يعطيك شيئا مقررا ، ولا يتركك بعد الاطلاع على مذاهبه جميعا صفر اليدين.
فإذا قال مرة بقداسة الروح، وقال مرة أخرى بقداسة المال، فهو يقول في المرتين وفي كل مرة: إن الإيثار سنة الحياة، وإن السمو إلى المثل الأعلى قانون الخلق القويم. ومن قال هذا فقد أعطانا على تناقضه قسطاسا نزن به ما يطلبه من قداسة الروح وقداسة المال، ومن أحب المال على سنة الإيثار فقد أحب الروح ... ويطرد هذا القياس في معظم نقائضه، على هذا النحو من الاطراد. (6) التربية والثقافة
والمنتظر بطبيعة الحال من رجل كبرنارد شو أن يعالج الثقافة والتربية معالجة عملية؛ لأنه اعتمد على نفسه في تثقيفها وتربيتها، ولم يكد يعول على شيء في تحصيل ما حصله غير جهوده ورغباته.
وهو عدو الحشو الذي يملأ الدماغ بالمعلومات، ولا ينفذ منه إلى الذوق والفطنة والمعرفة بحقائق الحياة، فمهما يحشو المرء في دماغه من المعلومات فهي ذرة ضئيلة إلى جانب المعلومات التي يجهلها ولا يتأتى له أن يحيط بلبابها ولا بقشورها.
Shafi da ba'a sani ba