فاضطرب «ڤكتور» عند رؤيتها، وصار بين الخجل والوجل من أن يكون أورثها انزعاجا، فاعتذر والتمس العفو ما استطاع كلاما فقالت: أتيت على الرحب، فإني جئت هذا المكان مستصحبة «تريم» رفيقا - وأشارت إلى الكلب - فأنسيت نفسي تأملا في جمال هذا الوادي، لا جرم أن بلدكم بلد نعيم وبهجة يحمد في مثله المقام. - إن بين «سرڤيل» وهذه الأطلال بعدا غير قليل، فكيف جرؤت على الخروج إليها بغير محام؟!
فأومأت إلى كلبها وقالت: وما شأن هذا؟! لا تستخفن به فهو ينبهني، وكفى بالتنبيه وقاية، فإن كثيرا من أخطار هذا الوجود متى علمت لم تعد شيئا محذورا. - صدقت إلا أن في غاباتنا أفاعي سامة لا يدفع شرها مثل هذا الرفيق. - ما الشر وما الخوف من الشر؟! أيحسن بي توقع البلاء وحرمان النفس من لذة الحياة خوفا منه، وأن أترك من أجله التنزه على انفراد وهو أبهج ما لدي؟ إني أحب الحادثات والغرائب، فإذا أتيت مكانا فدأبي أن أجوس خلاله وألم بكل بقعة منه، فأسير منزهة فيه متسلحة بعلبة الألوان والمروحة وكتاب الرسم كما ترى، لا أخبر أحدا ولا أستصحب رفيقا رغبة في العزلة والحرية، وفرارا من الكلفة الملقاة علينا نحن النساء بحكم العادات، وهربا من ضيق الصدر في متسع القاعات.
فاجتماع الأحباب صفو ولكن
كدرته مئونة الاحتشام
فهنيئا للرجال أنهم سعداء بالحرية والاستقلال.
فعجب «ڤكتور» من هذا الكلام غاية العجب؛ لأنه لم ير المرأة من قبله إلا باعتبار أنها خلق ضعيف محتاج إلى الهداية في سبيل الحياة، فلم يتصور إمكان ظهورها بشيء من الاستقلال والحرية، وإقدامها على تذليل العقبات الحائلة بين فكرها وتجليات الذكاء، وجملة القول أنه لم يكن يعرف من النساء غير قعائد البيوت، فلما سمع كلام المركيزة عرف المرأة الحسناء، فغلبت عليه الحيرة والدهشة فقال بعد الصمت: كيف كيف لا تخافين؟! - ومم أخاف؟! أمن حية تلسعني كما أنذرت؟ أتحسبني حريصة على هذه الحياة التي حظر بها علينا - نحن النساء الضعيفات - أن نعيش كما نريد؟ لا لعمري؛ فهي حياة غير جديرة بالحفظ، فإن ضاعت فلا أسف عليها.
حرص الرقيق على الحياة حكى
حرص البخيل وما له مال
فالعمر آمال وليس لمن
في الرق يفني العمر آمال
Shafi da ba'a sani ba