وتزوجت سعدون، وكان سعدون أيضا قد ترك التعليم بعد حصوله على البكالوريا التي تقلبت عليها الأسماء فأصبحت توجيهية ثم أصبحت ثانوية عامة.
ولم يكن سعدون راغبا في إكمال تعليمه، ولا كان أبوه مهتما بذلك أيضا، راجيا أن يتفرغ سعدون لفلاحة الأرض.
ولكن سعدون لم يكن يهوى الفلاحة، فما لبث بعد زواجه بسنة وبضعة أشهر أن أقام في بيت أبيه في القاهرة في حي جاردن سيتي. ولم يكن البيت فخما ولا كان متواضعا، وإنما وسط بين هذا وذاك. ولم يكن أبوه راضيا عن ذلك، ثم احتسب الله: ربما بعد أن أموت أنا يضطر سعدون إلى فلاحة الأرض، فليس له مورد رزق حقيقي إلا هي وعمارة الزمالك وعمارة عابدين، وهما عمارتان قديمتان ما يلبثان أن يهدما ويجد سعدون نفسه وجها لوجه مع الأرض. وماذا سيفعل في أرض زوجته، إنها سترث أيضا؟ اتركها لله كله بأمره.
تعود سعدون منذ ذهب إلى القاهرة أن يجلس في بار الأنجلو الذي يضم كثيرين من الأعيان، وكان البار في الصباح مقهى، وفي الليل بار.
وأصبح سعدون زبونا دائما له في الليل، أما في الصباح فهو يعكف في البيت على القراءة، فكان يقرأ بنهم شديد وبمتعة لا مثيل لها . ووجد نفسه في جلسة المساء جالسا إلى قوم لا هم لهم إلا شرب الخمر وتبادل الحديث المخمور، فكان لا بد له أن يشاربهم. وأعجبته نشوة الخمر فصار يشرب، حتى إذا مرت به وفية آخر الليل لتصحبه إلى البيت، وجدته في حالة سكر بين. وضاقت بهذه الكارثة، ولكنها ما لبثت أن راضت نفسها على قبول الأمر الواقع، فلم يكن لها حيلة إلا أن تقبل الأمر الواقع.
وأحب سعدون الخمر وفتن بمجالسة المخمورين، وتعود كلما جاء السائق ليدعوه للقيام ويبلغه أن الست تنتظره يقول له: يا مغفل، ابحث عني بعض الوقت، هل لا بد أن تجدني بهذه السرعة؟
ويتابع الشرب، ويظل السائق رائحا غاديا بينه وبين وفية حتى يقوم كارها.
ولم تمض سنة على مجيئه إلى القاهرة حتى حملت وفية طفلتها الأولى حميدة، ولم يمض أكثر من عام وبعض عام حتى رزق الزوجان بابنتهما الثانية وجيدة. ولم يكن سعدون يهمه أن ينجب البنين أو البنات؛ فقد أصبح لا يعنيه من الحياة إلا الكأس والقراءة التي يتفرغ لها نهاره كله. ولم يكن أمر سعدون خافيا على هارون، ولكنه أبى أن يذكر له وهو يفاوضه في الأرض معرفته بحبه لبار الأنجلو وما يشربه فيه.
كانت حميدة في العشرين من عمرها حين تمت الصفقة بين هارون وسعدون.
وكان سعدون إذا لم يكن مخمورا غاية في التعقل والاتزان، وكانت الخمر تخرجه عن وقاره بعض الشيء، ولكنه لم يكن يخرج عن أدبه قط. وكان يستطيع أن يتحكم في ألفاظه. وكان ذكيا في سكره، فإذا أراد أن يصارح أحد أصدقائه برأي لاذع فيه، ادعى أنه سكران وقال ما يريد قوله.
Shafi da ba'a sani ba