ويفغر الليل فاه المظلم يحيط به الحاج حامد، ويظل يتقلب على فراشة. الموت أهون، ولكن لا ... يا رب العالمين لقد أطعتك عمري كله، اترك لي من الحياة فرصة حتى أسخط وأعلن سخطي على ابني، وحتى أشكر وأعلن شكري لمن أكرمني.
وفي تباشير الفجر قام الحاج حامد فتوضأ وأقام الصلاة، وأحس وهو يقرأ الفاتحة أنه اقترب إلى السماء غاية القرب، وأن أنساما من نسمات الملائكة تراوحه، وأن وجيب قلبه أصبح تخشعا وحنينا ورحمة. وراح الهدوء يسري في أوصاله شيئا فشيئا. وما إن ختم الصلاة حتى أحس نفسه خفيفا كملاك، سعيدا جذلا يملأ الفرح نفسه، والشكر لله يشيع في جوانحه. لقد ألهمه المولى عز وجل الطريق، فإذا هو إنسان جديد كأنما لم يخلق إلا في لحظته تلك. صلى النوافل وقام إلى دولابه وأخرج بضعة أوراق، وسرعان ما وجد الورقة التي يبحث عنها ووضعها في جيبه، ثم انبعث إلى زوجته يصيح بها في صوت جذل فرحان: توحيدة.
وكانت المسكينة قد فرغت من صلاتها هي الأخرى بعد ليلة لم يعرف النوم إلى جفونها سبيلا. صاح بها في صوته الفرحان المليء بالبهجة: أين أنت يا حاجة؟
ودق فؤاد الحاجة فرحا. اللهم أنك كريم يا رب العالمين. لقد عاد إلينا الحاج حامد. - جائية إليك يا حاج، الحمد لله على سلامتك. - الحمد لله حمدا يرضيه سبحانه. هل شهاب نائم؟ - نعم يا كبدي، لقد كان حاله بالأمس شر حال، وأغلب الأمر أنه لم ينم إلا مع الفجر. - دعيه نائما، وهاتي لنا الفطور. أشعر أنني سآكل ما في المنزل. - جاهز يا حاج.
وحين استقبل مختار قال له: هل أنت مشغول اليوم؟ - لا، تحت أمرك. - أريد أن نذهب معا إلى الزقازيق. - وما له؟ هيا بنا.
وذهبا إلى الزقازيق، واستأجر الحاج حامد سيارة أجره وطلب إلى السائق أن يذهب به إلى الشهر العقاري، ولم يملك مختار نفسه: الشهر العقاري! ماذا نفعل في الشهر العقاري؟ - سبحان الله يا أخي ماذا عليك لو انتظرت؟! هل معك بطاقتك؟ - معي. - عظيم.
وفي الشهر العقاري فوجئ مختار بالحاج حامد يوكله توكيلا خاصا لبيع بيته في المنيرة، وأن يقوم بكل الإجراءات التي تؤدي إلى بيع هذا البيت، وقدم للمسجل ورقة ملكيته المسجلة للبيت.
وفي دهشة قبل مختار التوكيل، وعاد مع الحاج حامد إلى البلدة في السيارة التي استأجراها، وحين استقر بهما المقام قال الحاج حامد: أسافر معك إلى القاهرة، اليوم أو غدا، ونذهب إلى السمسار في المنطقة، ثم أترك لك الأمر كله. أنا صحتي لا تساعدني والبركة فيك. - ماذا تريد أن تصنع؟ إن ابنك يقيم في هذا البيت. - وهل أحتاج إليك لتذكرني بهذا؟ - ما تشوفه، هل تريدني في شيء الآن؟ - أعد حقيبتك للسفر. - حقيبتي؟! هل سنبيت هناك. - إذا اقتضى الأمر. - وما له؟ نزور آل البيت على الأقل. - شيئا لله، يا آل بيت النبي. - السلام عليكم.
وانصرف مختار على وعد منه أنه سيكون جاهزا للسفر حين يستدعيه الحاج حامد.
وكان شهاب قد صحا من نومه وتناول فطوره، ومكث ينتظر جده الذي بشرته جدته أنه أصبح في خير حال.
Shafi da ba'a sani ba