Balaghat Gharb
بلاغة الغرب: أحسن المحاسن وغرر الدرر من قريض الغرب ونثره
Nau'ikan
كنت قبلك أيها الإنسان جميلة معطرة، تاركة شعري يلعب به الهواء كما يهوى، متتبعة في السموات طريقي الذي اعتدته فوق محورها المنتظم؛ فتميلني المشيئة حيث شاءت يمنة ويسرة ككفتي الميزان، ثم بعدك كنت أخترق الفضاء، الذي يندفع كل فيه سائرة وحدي بوجه باش، وصمت يزينه العفاف شاقة الهواء بجبيني الوضاح ونهدي اللذين ارتفعا شمما وكبرياء.
هذا ما سردته علي الطبيعة بصوت جهوري، لبسته رنة الحزن، وإني لأمقتها وحانق عليها؛ لكوني أرى دمنا يخالط أمواج بحارها وموتانا تحت عشبها، فترين أجسامنا بعد تحول مادتها تمتص جذور الأشجار عناصرها السمادية بشره ونهم، فتنمو وتعظم وتزهو، فكنت أقول لنفسي التي راقها هذا البهاء الممقوت: «خير لك أن تحولي نظرك عنه، ولا تذرفي دمعة واحدة أسفا عليه، بل أحبي ما لا يشاهد إلا مرة واحدة.»
من يسعده الحظ ويشاهد لطفك وحنانك أيها الملاك الجميل الشاكي بصوت خافت كأنما هو محتضر؟
18
من ولد مثلك وولدت معه الملاطفة كأنهما توأمان، إذ نراها تلمع مع البرق الذي يتلألأ في نظرك الفاتر، وتمايل رأسك اللطيف وقامتك الرشيقة التي لا تكاد تماسك من لينها وتبسمك الذي أنعشه الهوى ونغصه بأوصابه. •••
عيشي وانتعشي أيتها الطبيعة الباردة، وتحكمي فينا كيف شئت فهذه سنتك، وازدري بالإنسان إن كنت في مصاف الآلهة، فما هو إلا عابر حقير جعله الله سلطانا عليك.
أحب عظمة الآلام الإنسانية أكثر من ملكك وفخامته التي لا تجدي نفعا، وإنك لن تؤملي مني حبا.
ألا تبغين أيتها السائحة المكسال أن تسندي بجبينك إلى كتفي لنطير في جو الأماني؟! فتعالي من هذا البيت المتحرك الذي كسي ببردين من دعة وسكون؛ لتشاهدي ما مر وما سيأتي من صور العالم ومناظره التي أحضرتها في ذاكرتي روح طاهرة من الله، وستحيا هذه الصور وتلبسها الأرواح لأجلك أمام هذا الباب، وترين البلاد العظيمة ممتدة أمامك وهي صامتة.
وسنتبع السلف غير مخلفين سوى ظلنا على هذه الأرض الناكرة للجميل، والتي جابها من مات قبلنا، وسنتحادث عنهم في الساعة التي يظلم فيها كل شيء؛ إذ يسرك سلوك منهج عفت رسومه واندرست معالمه، فتسيرين وأنت غارقة في بحار الأماني ، مستندة على غصون لا تعلم حقيقتها باكية كإرطميس
19
Shafi da ba'a sani ba