31
ومما حدث أن جوستينيان أنفق في سبيل هداياه دخل مصر بأجمعه في سنة واحدة.
وهل يمكن ملوكا من الناس أن يحافظوا على صحوهم بين مثل ذلك الشطط؟ لقد وجدت بزنطة توازنا بإقامتها، مع الطقوس الاحتفالية، ملاعب يستطيع الشعب بها أن يداري أهواءه وينهمك في ألعابه وأن يشتغل في السياسة ويتلهى بالمهازئ كما في آغورا أثينة أو في الملعب الأكبر برومة، وكان الشعب يعبر عن رغائبه في الولائم والمباريات بالأغاني والهتافات، وكان الإمبراطور يسمع فيعرف بذلك مخادعة الوزراء إياه، وكان يطلب إليه، مثلا، أن يأمر بزيادة المياه في الحمامات العامة وبتنظيف الشوارع من الوحل، وكان لفريق من الممثلين والراقصين والفتيات والسحرة فتنة في قلوب الجمهور، وكان الجمهور مؤلفا من عدة عروق؛ وذلك لأن فريقا من الأسرى كان قد استقر ببزنطة للتجارة فيقع تبادل في اللغات والعادات والسلع بين شغب كبير، وللجمهور أيضا أن يترنم بأغان حول الإمبراطورة ومغامراتها الغرامية السابقة.
وما أكثر من سخروا حينما بعث البطرك بأوراده إلى الميدان ليهرع إلى الإصطبل حيث وقع جواده المفضل على الأرض! وكان البطرك يملك أحسن خيل للسباق، فيطعمها عنبا وكشمشا
32
موضوعين في معالف من رخام، وتعين الخيل مصير الجواد لقض عظامه في أثناء سباق ذي عوائق، وكان يتألف من السباق والرهان وتنازع الزرق والخضر ألهية الشعب، وكان الأباطرة يعرفون ذلك فيستمعون إلى صوت الجمهور الساخر مع ما كان عندهم من محاربين وقسيسين، وبينما يبدو الأباطرة للجمهور كالقديسين كانوا يوحون بأنهم يعيشون مع الشعب ضمن أسرة، وإذا وضعت الإمبراطورة ولدا شرب جميع حرس القصر من حسائها لعدهم ذلك شرفا!
وقد عانت بزنطة خمسا وستين ثورة في أحد عشر قرنا؛ أي فيما بين سنة 300 وسنة 1400 تقريبا، وقد قتل ثلثا الأباطرة ال 107، ولم تدم سلطة معظم البطاركة أكثر من سنة، ومع ذلك لم يثر الشعب ضد النظام قط، بل ضد الأفراد، وإذا عدوت مصر وألمانية لم تجد مملكة ألفية لم تغير نظامها، ولم يفكر أكثر محطمي الأصنام تعصبا في القرن الثامن والعاشر في قلب النظام، ويجب أن يبحث عن سر هذا الاستقرار في ثالوث الطقوس والشعب والجنود الثابت. وإذا استثنيت الأباطرة الأخيرين لم تر من الأباطرة من أهمل الجيش والبحرية كما كان الفرس والقرطاجيون والرومان يصنعون في دور الثراء وعدم الاكتراث الذي عقب الأيام الكبرى، ولم يقع الانحطاط إلا متأخرا، وقد أنشأ أباطرة بزنطة وصانوا في حلب (؟) وأفسوس وإزمير أصلح مرافئ البحر المتوسط، وما فتح من أسواق كبيرة في هذه الموانئ كما فتح في سلانيك كان يتردد إليه المصريون والهندوس والصينيون والإسكندينافيون والروس كثيرا.
وقد قام البزنطيون بدور الشرطي البحري ضد القراصين في الوقت نفسه، وقد عد البزنطيون في مائة سنة أن أهم عمل يقومون به هو أن ينزعوا أقريطش من نهابي البحر هؤلاء. وكان القراصين في القرن التاسع والقرن العاشر يخرجون من حصونهم وموانئهم ومخابئهم في أقريطش، وكانت أشرعة سفنهم سودا، وكان يسير كل واحدة من هذه السفن مئتا أسير أفريقي طويل، وفي سنة 960 فقط استعد أسطول مؤلف من ألفي سفينة للانطلاق من القرن الذهبي حاملا تجريدة وآلات حربية ونارا يونانية اخترعت حديثا. وكان يوجد على ظهر هذه المراكب أناس من النورمان والروس والأرمن والدانيماركيين، وكان لأشرعة مركب أمير البحر ألوان قوس قزح، وكانت هذه الأشرعة تنتفخ بفعل الريح، وكانت أعلام من الحرير تتموج مع صور القديسيين وراء المقدم المذهب.
ويكتب الفوز لتلك الحملة، وتنجح بزنطة حيث أخفق الآخرون، وتسقط أقريطش التي كانت مأوى القراصين وتزول الأشرعة السود من البحر المتوسط.
16
Shafi da ba'a sani ba